محمد عبدالرحمن
اللجوء إلى التصعيد.. الحوثي ومعضلة اللاسلم واللاحرب
منذ أن تم الإعلان في أبريل2022م عن هدنة للحرب في اليمن، وجدت المليشيا الحوثية نفسها أمام تحديات فرضعها واقع ما بعد وقف العمليات القتالية، وفقدت مبرراتها التي كانت تتخذ من الحرب منطلقاً لها واقعيتها ومصداقيتها أمام الرأي العام المحلي على وجه التحديد، فبدأت أصوات الجياع في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات ترتفع وتضج بها مواقع التواصل الاجتماعي عبر حملات إعلامية موجهة إلى السلطة الحوثية في صنعاء، مما دفع حزب المؤتمر في صنعاء عبر رئيسه صادق أمين أبو راس لأن يوجه حديثه بمناسبة الذكرى الـ41 لتأسيس الحزب إلى قيادات الحوثي واتهامها بالفشل والفساد، الأمر الذي دفع بالقيادي الحوثي "المشاط" إلى الهجوم على أبو راس وتهديده بصورة غير مباشرة، هذا الهجوم كشف أكثر عن حالة التخبط الحوثي والخوف أمام مواجهة المطالب الشعبية.
عمدت إلى حيلة أخرى تخرج الرأي العام من حالة انتقادها ومطالبتها بالمرتبات والخدمات، إلى حالة الانبهار والانشغال بالعروض العسكرية التي تقيمها هنا وهناك وكان أبرزها العرض العسكري الذي أقامته في ميدان السبعين في الذكرى الـ33 للوحدة اليمنية، وقد وضعت تلك الاستعراضات رسائل موجهة إلى الداخل وخاصة إلى حزب المؤتمر الشعبي العام، وكذلك إلى المجتمع وتحذيره من أي عملية احتجاجية أو محاولات الخروج في مظاهرات او مسيرات احتجاجية على الوضع المزري الذي يعيشه الشمال.
تلك الاستعراضات العسكرية لم تجدِ نفعاً، أمام استمرار حالة السخط والغليان الشعبي، فلم يكن أمام الحوثي إلا أن يعلن في خطاب متلفز في مناسبة المولد النبوي عن تغييرات جذرية بدأها بإقالة حكومة بن حبتور، ويتضح أن تغيير الحكومة جاء كإنقاذ لتفادي انفجار الوضع بين قيادات الحوثي التي عارضت مسألة التغيير الجذري، وعلى الرغم من ذلك لم يحدث أي تقدم في تشكيل حكومة جديدة، مما يكشف حالة العجز والفشل والتخبط الذي تعيشه مليشيات الحوثي تعززه حالة الانقسام بداخلها.
أمام تلك التحديات الداخلية وبالتزامن مع عملية طوفان الأقصى، بدأت مليشيات الحوثي توجه بوصلة الرأي العام نحوها، وكأن تلك العملية جاءت إنقاذاً للمأزق الحوثي في الداخل، حيث كثفت جهودها التعبوية والإعلامية باتجاه ما يجري في غزة، للهروب من الواقع وأزماته، بل أنها ذهبت إلى الإعلان عن تنفيذ هجمات صاروخية على إسرائيل، وكأنها بذلك تستدعي أي رد عليها من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل وتنقذها من مواجهة المطالب الشعبية.
أمام محاولات الاستدعاء للأمريكي والإسرائيلي للرد على هجماته، يقوم الحوثي بتكثيف حشد قواته العسكرية على تخوم مأرب، ومحاولات التسلل إلى مواقع المقاومة فيها، كما حدث هذا الأسبوع، بالتزامن مع استمراره بهجمات متفرقة على مواقع المقاومة في الضالع، فهو بتلك المحاولات للتصعيد يهرب من الواقع المتأزم في مناطق سيطرته، وليس لديه ما يملك ليقدمه للناس، إلا أنه يعلن لهم الحروب المستمرة والمتواصلة، ويقدم لهم رؤوس أبنائهم ورفاتهم في نعوش متهالكة أكلتها جثامين قتلاه من اليمنيين المغرر بهم طيلة تسعة أعوام من زمن سقوط الدولة في صنعاء.
إذاً محاولات اللجوء إلى التصعيد والذهاب إلى الحرب يمثل المخرج الملائم للحوثي من مأزق حالة اللاسلم واللاحرب، وهو يسعى إلى ذلك بكل وسائله سواءً حرب إقليمية بدوافع وأهداف إيرانية، أو تصعيد داخلي بدوافع الهروب من فشله في إدارة مناطق سيطرته التي يحكمها بالقوة والفساد، ومع هذه السياسات يعيش اليمنيون في الشمال أوضاعا مأساوية وصمت يكمم الأفواه بدعوى مواجهة أمريكا وإسرائيل.