د. أحمد عبداللآه
إعلام الإخوان.. التوحش جنوبًا والمهادنة شمالًا
بالرغم من انتكاساته المتلاحقة إلا أن الإعلام يعتبر "قنبلة أوبنهايمر" بالنسبة لتنظيم الإخوان ومركز القوة لديه للتلاعب بالرأي العام وتضليل الشارع وتوجيهه، وتكريس الخطاب السطحي التحريضي في الفضاء الاجتماعي.
لقد استطاع التنظيم من خلال إعلامه حرف الأنظار عن اخفاقاته الكبيرة المتتالية، بالإضافة إلى التوظيف السياسي للملفات المحلية والإقليمية وتسخير كل الوسائل لتسجيل نقاط سياسية وتحقيق مكاسب متعددة، حتى وإن كان الثمن تآكل منظومة القيم الاجتماعية وتحويل المجتمع إلى مجرد أداة للصراع.
وخلال عاصفة الحزم ظل الإعلام يقدّم إخوان اليمن بأنهم: "هُم" الشرعية الكاملة التي لا تقبل القسمة، و"هُم" الوطن المستقل عن الفضاءات الخارجية، و"هُم" المؤسسات الراسخة التي تؤدي وظائف الدولة، و"هُم" الجيش الوطني صاحب الانتصارات! أي أنهم، كما يدعون، المطلق الذي لا يُصنّف، والأصل الذي لا يتفرع، والوطن الذي لا يُحكم بغيرهم، والكيان الذي لا يتبع أحدًا ولا يُملى عليه، و"هم" كل شيء في كل شيء حين تكون الأشياءُ فضائل وكمالًا!
ومع كل المتغيرات يظل الثابت في إعلام الإخوان هو صناعة التوحش جنوبًا وتفرّغه شبه الكامل لمواجهة قضية الجنوب واستغلال كل شاردة وواردة، كل حديث وكل حدَث، لبناء مسلمات مضللة في الوعي الشعبي الجنوبي بغية إبعاد الناس عن أهدافهم وتوسيع قاعدة المفتونين بمنهج الإخوان وفقًا لقاعدتهم: من لم يُفتن بنا فليس منّا.
لكن ماذا عن الشمال؟
ماذا تبقى منهم هناك؟ ولماذا اختفت أفعالهم وخطاباتهم؟
لقد تداركوا التسليم بالقول: من لا يجيد الحضور ويخاف المواجهات فإن عليه الانصراف فورًا.
لقد انصرفوا قيادةً وقواعد، كتلًا وهياكل، أزندةً وفوهات.. وتخلوا عن بلد ضحوا في ساحاته بكل طاقاتهم لاختطاف تطلعات الناس البسطاء واستغلال دمائهم، وفضلوا أن يستنجدوا على أن يواجهوا وأن يلجأوا على أن يتشبثوا بتراب الأرض.. وعززوا فرارهم بتبنّي أهداف بعيدة عن مكان المنشأ وعن قواعدهم الشعبية وحواضنهم القبلية، وعن الإمكانات المتراكمة والاستثمارات والخلايا والمرايا.
وحين أعادوا إنتاج الذات في المناطق المحررة، بعد اختطاف "مقصورة القيادة" استهدفوا الجزء الأكبر من المناصب والمكاسب وقيادات "الجيش الوطني"! وبدلًا من التمسك بهدف العودة إلى صنعاء استبدلوه بالبحث عبثًا عن "جغرافيا مفيدة" يعاد منها إنتاج مشاريعهم وتدار منها صراعاتهم ومعاركهم الإقليمية وفقًا لأولويات التنظيم الدولي.
ولأن هناك "بيعة مطلقة" فإن الجنوبيين المنتمين للإخوان لم يكلفوا أنفسهم إقناع قيادات حزبهم بأن عليهم أن يفجروا ربيعًا شاحبًا في صنعاء أو حتى تسجيل حضور غامض باستخدام حيَلهم المتراكمة في التقية داخل مناطق حكم أنصار الله، لكي يمنحوا أتباعهم الجنوبيين مادة (رمزية) للمحاججة يبيضون بها جباههم أمام الآخرين. خاصة وأن إخوان الجنوب أشد عداءً لقضية شعبهم أكثر من قياداتهم الذين تركوا مناطق نشأتهم ومراكزهم المقدسة "سارحةً والرب راعيها".
اسئلة كثيرة يخشى الإخوان طرحها داخل هيئاتهم والإجابة عليها، مثلما يخشون أن يواجهوا أسباب إخفاقاتهم المتتالية وأن يعملوا على تقويم تجربتهم المحلية منذ التأسيس العلني لتجمّعهم، وأن يعيدوا صياغة سياساتهم و"أهدافهم الوطنية" بواقعية بدلًا من انغلاقهم على التمكين وعلى خارطة الأهداف الإقليمية للتنظيم الدولي، الذي يعتبر أن حروبه الممتدة من دجاجا بورا حتى نواكشوط واحدة لا تفرقها الألسن والرصاص.
لقد أضاع الإخوان عمليًا عنب الشمال وبلح الجنوب، ولن تسعفهم أدوارهم المزدوجة ومحاولات تقربهم من أنصار الله لأن الأخيرين أكثر حيلة منهم وينهلون من ذات النبع التاريخي، ومن البيئة السياسية والاجتماعية، ويفهمون سلوك الإخوان وتوزيع قواهم بين أطراف متصارعة للإيقاع بالجميع والفوز بالنجاة الدائمة. ولهذا إما أن يقبل الإخوان في صنعاء دور التابع الضعيف، وعزوف طويل الأمد عن أي طموح أو أن يذهبوا إلى مصير حليفهم الأول. فلا يمكن أن يقف فقيهان سياسيان من طائفتين مختلفتين على منبر واحد.
*نقلا عن صحيفة الأيام