محمد عبدالرحمن
هل تفرض الدول الغربية سيطرة إيران "الحوثي" على الشمال؟
من الجيد كيمنيين نعيش حروباً فرضتها الميليشيات الحوثية علينا أن نكون على مستوى من الوعي وقراءة المشهد العام والتطورات والأحداث ومدى انعكاسها سلباً أو إيجاباً على الحرب في بلدنا، وعند هذه النقطة وما يجري في البحر الأحمر وتداعيات الحرب الصهيونية على غزة، وبروز "الحوثي" كحامل لليافطة الأخلاقية، لا بد أن نبحث قليلاً عن انعكاسات إجراءات الدول الغربية ضد الحوثي والتي جاءت رداً على هجماته ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، ومدى تأثير قدرتها على تحقيق أهدافها، ونوجز ذلك على النحو التالي:
أولاً: مثّلت الحرب الإسرائيلية على غزة انفراجة كبيرة فتحت للحوثي باباً للهروب من واقعه المأزوم في الداخل، وعمل على استغلال هذه الانفراجة بكل إمكانياته الإعلامية والعسكرية والأمنية، واستغلال الوهج الأخلاقي للشعب اليمني تجاه القضية الفلسطينية، ومحاولته كسب التعاطف والظهور بالمظهر القوي المدافع عن فلسطين، مما دفعه إلى أن يتخذ اجراءات ضرب السفن في البحر الأحمر والملاحة الدولية في مضيق باب المندب، مما استدعى الدول الغربية إلى عسكرة البحار والتمركز أمام المياه الإقليمية الدولية.
ثانياً: الدول الغربية بضرباتها العسكرية على مواقع الحوثيين في الداخل اليمني، ليس لها تأثير يّذكر، أو تحد من هجمات الميليشيا على السفن التجارية، بل إن الأمر أتاح للحوثي في استغلال هذه الضربات لمزيد من التحشيد للرأي العام المحلي والعربي، باعتبار أن ما يتعرض له هو نتيجة دفاعه عن فلسطين، وهو ما ينعكس عليه بشعبية تمنحه قوة معنوية يستثمرها في تجنيد الشباب والمغرر بهم وإلحقاهم بمراكز التعبئة الثقافية ومراكز التدريب.
ثالثاً: الإجراءات التي قامت بها الدول الغربية وخاصة أمريكا وبريطانيا، توحي أنها بحاجة لتعزيز بقاء سيطرة الحوثي على شمال اليمن، لأن بقاءه يحقق لها ذرائع ومبررات في استمرار مواجهة التهديد الإيراني المتاخم للدول الخليجية، وبالذات السعودية، وخاصة أن الانفتاح السعودي في توسيع دائرة العلاقات الدولية وتداخل التنافس الدولي على المنطقة، يكشف أن هناك مصلحة ملحة للدول الغربية لبقاء الحوثي كمصدر تهديد دائم لهذه الدول، مع بقائه بنفس الوقت كعدو لهذه الدول الغربية.
رابعاً: تم تقسيم العراق ولبنان وسوريا إلى جماعات وطوائف دينية متناحرة، والدور الآن على اليمن، وبقاء سيطرة الحوثي على الشمال يأتي من منطلق التقسيم الطائفي لليمن، ويكرس هذا التوجه إبقاء مصادر التمويل والايرادات التي تدر على خزينة الحوثي مليارات منها ميناء الحديدة، ومنحه الآن شعبية بدواعٍ أخلاقية في فلسطين، أمام كمية جرائمه الكبيرة وإرهابه المستمر بحق اليمنيين، وكذلك في محاولة إضعاف الأطراف اليمنية الأخرى التي تمتلك عقيدة قتالية لمواجهته وحاضنة شعبية حتى في مناطق سيطرة الحوثي.
خامساً: تلعب الدول الغربية في ملفات المنطقة ومنها اليمن في ميدان صراعها مع إيران، وبما أن الحوثي الوكيل الإيراني الذي تفوق حتى الآن على نظيره حزب الله اللبناني، فإن إيران ايضاً ستحاول الاستثمار فيه وتجعله في مقدمة المواجهة مع الدول الغربية لتحصد النقاط على حساب اليمنيين وبلدهم.
في نهاية المطاف لو كان هناك توجه غربي حقيق لمواجهة التهديدات الحوثية في البحر الأحمر وباب المندب، لكانت سارعت في وقف عملية تحرير الحديدة، ولما كانت هي الآن تقف عائقاً عن استمرار المعركة ضد هذه الميلشيات الإيرانية، وهذا يكشف أن لدى الدول الغربية رؤيتها وسياستها التي تريد من وراء بقاء الحوثي مسيطراً على الشمال كهدف استراتيجي متعدد الجوانب.