محمد عبدالرحمن
من قلعة الحشاشين "آلموت" إلى جبل مران.. الحوثي يعيد المشهد
قبل مئات السنين كان حسن الصباح زعيم جماعة الحشاشين يتخذ من قلعة آلموت ذات التحصين القوي كمركز للقيادة والسيطرة وملاذ آمن لحياته لمدة 35 عاماً لم يغادرها، ولأن الفكر الباطني الذي يعتنقه ويتخذ منه وسيلة دينية لتبرير جرائمه التي يرتكبها أتباعه بحق خصومه بوسائل شتى، يتكرر المشهد اليوم وفي القرن الواحد والعشرين من خلال ما يقوم به عبدالملك الحوثي وتحصنه في جبل مران بصعدة، واستخدامه للدين كمبرر لجرائمه التي يرتكبها بحق اليمنيين ومن يخالفه في الرأي والعقيدة منهم.
ليست قلعة آلموت بعيدة عنا اليوم، فجبل مران هو الحصن في المشهد الجديد، وحسن الصباح هو عبدالملك الحوثي في الدور المتقن للإرهاب المخيف، بل والأخير تفوق على الصباح بكثير نظراً لوجود عوامل أخرى نتجت عن التطور في الوسائل، أما المبرر والوسيلة فهو الدين ويبرع الحوثي في تدجين أتباعه برؤى وتصورات هي أشد وطأة من تلك التي كان الصباح يستخدمها لحشد المزيد من المريدين والمؤمنين بفكره.
لم ير الناس عبدالملك الحوثي في الواقع، فمنذ زمن وخاصة بعد مقتل أخيه حسين الحوثي وتسلمه منصب قائد الجماعة، كان هناك بعض الحضور اللافت له في بعض المهرجانات والعروض العسكرية التي كانت تقيمها جماعته قبل أن يتوسع نفوذه وسيطرته على محافظة صعدة وبقية مدن الشمال، وهذا الحضور لم يره أغلب الناس إلا عبر ما تبثه وسائل إعلامه من خلال فيديوهات قديمة، وأما الآن فحضوره عبر الشاشة فقط، فالشاهد هنا أن التحصن الذي مارسه الصباح في قلعة آلموت يستلهم الحوثي منه درسا يتطابق مع تحصنه في جبل مران.
الحشاشون لم يغيبوا عن الواقع فبقاء سيرتهم في كتب التاريخ أثبتت أن من الإمكان إعادة صياغتهم وإحياء سياستهم وأساليبهم، فالحوثي والحوثيون هم النسخة المحدثة، والأكثر تطوراً، فجماعة الحوثيين بفكرها الذي يتناول الإرهاب تجاه الخصوم وإنزال أشد أنواع العقاب والجرائم بحقهم يمثل درجة عالية من الإرهاب الذي كانت تمارسه جماعة الحشاشين.
يتجرع اليمنيون ويلات الحوثية الإرهابية ويكبر في وعيهم الأهمية للتخلص من هذه الجماعة وفكرها، لأنها تعزز من الانحدار إلى قعر الجحيم والمكوث فيه طويلاً، فتجربة الحشاشين دليل على خطر استمرار الحوثية وقائدها عبدالملك الحوثي، وبقاء الأسلوب الديني كوسيلة لتبرير كل الجرائم بحق من يعارض ويفكر بذلك.
استطاع عبد الملك الحوثي استلهام درس حسن الصباح وتحصنه في الخبوت والقلاع واستخدام الأسلوب الديني بشراهة إرهابية للسيطرة على السلطة والثروة، لكن ما لا يدركه الحوثي أن الزمن والتطور والوعي المجتمعي والتناقضات التي يمارسها وجماعته بحق اليمنيين كفيلة بقلب مشهد استمراره وجماعته في حكم الشمال، أو بقاء جبل مران قلعة تحصنه من غضب الشعب وزمجرة الآلام والجراح التي تسبب بها.