جاءت الهدنة قبل نحو عامين وأوقفت عجلة المعارك نحو صنعاء وتركت الباب مفتوحاً لاستمرار هجمات الحوثيين ضد المناطق المحررة بين الفينة والأخرى، بل إنها منحتهم (الحوثيين) الجرأة على استهداف المصالح الحيوية وتعطيل تصدير النفط الرافد الأساسي لخزينة الدولة، وبالتزامن مع تلك الحالة استمر الحوثيون في ترتيب أوضاعهم العسكرية والتأهيل والتدريب لكثير من أتباعهم تحت تأثير الخداع الإعلامي الثقافي الديني.
بعد الهجمات على البحر الأحمر والتهديدات المستمرة بالغزو للجنوب واستعادة ما فقدوه من المناطق بقوة السلاح، هناك تساؤل في غاية الأهمية عن مدى إمكانية الشرعية وقدرتها على استئناف المعارك نحو صنعاء، واستعادة الدولة وتحرير كافة مناطق الشمال من سيطرة الحوثيين، ومن المؤكد أن الشرعية تمتلك الإمكانيات الكبيرة لتحقيق الانتصار والوصول إلى صنعاء، لكنها بحاجة إلى فهم الواقع ومتطلباته برؤية أكثر شمولية.
تمتلك الشرعية القوات العسكرية الكبيرة ومن مختلف التشكيلات والمناطق، ولديها الإمكانيات المناسبة من السلاح والتي يمكن توفيره من الدول الإقليمية طالما شعرت أن هناك جدية لخوض المعارك وفق رؤية جديدة ومسار شامل للحرب، بالإضافة إلى أن الحاضنة الشعبية في الشمال لا تزال صلبة في مواجهة القبول بالحوثية، ولا تزال تقاوم وتحتسب الزمن لإمكانية حصول ثغرة هنا أو هناك تأتي من خارج مناطق الشمال لتلتحم معها وتستقبلها لتشكل معها مساراً داعماً لتحرير صنعاء.
الشرعية بحاجة إلى أن تعيد النظر في واقع المناطق المحررة، وعلى الرغم من تحسن الوضع نسبياً بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، إلا أن الواقع بحاجة إلى مزيد من الجهود والخطط المدروسة لتطبيع الأوضاع الاقتصادية وتحسين الموارد، ومن ثم توجيه الجهود نحو استئناف المعارك نحو صنعاء واستغلال حالة الاضطرابات العالمية الناتجة عن التهديدات الحوثية لمضيق باب المندب، وكذلك الإدراك الدولي لخطورة ونتائج اتفاقية ستوكهولم التي أوقفت تحرير الحديدة، هذا الإدراك إذا لم تستغله الشرعية في توحيد الجهود الدولية نحو استئناف المعارك برؤية جديدة وأكثر شمولية فإنها تضيع فرصة في غاية الأهمية.
يجب على الشرعية أن تدرك مكامن قوتها وأن تفرض وجودها بشكل يجعلها قادرة على أداء مسؤولياتها ليس في الجنوب وحسب، بل أيضا مناطق الشمال، حيث ينظر الناس في الشمال إلى الخطاب السياسي لقيادة المجلس الرئاسي كموجهات استراتيجية تبحث عن واقع يمكن ربطها به، ومثل هذا الخطاب الذي يوجهه العميد طارق صالح والذي يؤكد فيه بشكل مستمر على أن المعركة لا تزال مستمرة وأن الهدف صنعاء ولن تتوقف إلا وسط ميدان السبعين، فيكون مثل هذا الخطاب باعث أمل تختبره الاستعدادات المستمرة للمعركة في الميدان.