إن تعز وهي تعاني الحصار وتأبى الضيم والانكسار تبقى منارة للصمود الشعبي في وجه أعتى وأفظع مليشيا عرفتها المنطقة، الحصار الذي فرض على تعز أكسبها قيمة في الوجدان الشعبي في مختلف مناطق اليمن، وأعطاها صورة ملحمية جديدة تختزل فيها كل معاني الإباء والمقاومة، ولن تكون تعز يوماً في وضع الانكسار فهي تعشق دوما الحرية وتزرع قيمها سنابل قمح تذرى في كل مدينة وقرية يمنية.
ومع فتح طريق الحوبان صوب المدينة واتجاه الناس للعبور بشموخ وضع المليشيا في زاوية لا مناص من تحملها مسؤولية هذا الحصار منذ تسع سنوات، بل وفتح أكثر عيونها إلى عمق الانتماء الوطني الذي يلازم أبناء هذه المدينة، والحوبان جزء من المدينة لن يتمكن الحوثي من إلحاق الذل بها وإلصاق صورة الانكسار أمام ثقافة التبعية والتسليم المطلق، فالحوبان بأبنائها يتجذر فيهم حب الجمهورية ورفض الظلم والخضوع، وما هي إلا مسألة وقت حتى يلوح فجر التحربر وتعود للالتحام بالمدينة الأم.
أعادت لوحة معلقة في أحد أحياء تعز "هنا لا سيد إلا الشعب" صورة الانتماء إلى الجمهورية، فالتفاعل والردود بشأن هذه اللوحة تمثل عن الإحساس الوطني بالجمهوريةوالمساواة بين الناس، حيث لا سيد على أحد ولا وصي على أحد ولا امتياز من الله بالحكم والسلطة على أحد، وحدها الجمهورية تعطي الحق لكل الناس بالتساوي أمام القانون وتعيد تعريف المواطن بأنه مقدس بحد ذاته وأنه في حماية الجمهورية والقانون.
ردود الفعل هي مقاومة استشعرتها المليشيا الحوثية وأصابتها باندهاش، فالوعي الشعبي ليس في تعز وحسب، بل في كل الشمال لا يزال مستيقضاً ومدركا خطر الحوثية على الدولة والمجتمع والقيم الجمهورية، هذا الوعي حاضر رغم الزخم الذي تمارسه الحوثية لطمس كل تلك القيم واستبدالها بثقافة الخضوع تحت مسميات وادعاءات دينية لا تمس للحقيقة والمنطق بأي صلة.
تصبح المقاومة أكثر فاعلية عندما تكون من الناس وبأساليبهم البسيطة، هنا تتكامل مع المقاومة بالسلاح وتشكل ثقلا كبيرا لا تستطيع المليشيا الوقوف أمامه، ويكون الوعي بالقيم النبيلة في مواجهة قيم الموت والخراب والاستعباد هو الأكثر واقعية ومنطقية وقبولاً لدى الناس، لأن الحرية أولاً هي إحساس وشعور بالمدى الفسيح في الوجدان الذاتي.