محمد عبده الشجاع

محمد عبده الشجاع

تابعنى على

من هادي إلى حافظ معياد.. رجالات حول صالح

Wednesday 10 October 2018 الساعة 09:11 am

مرت السبع العجاف فلا "العزيز" استيقظ، ولا أتى شبيه للصديق "يوسف" كي يصنع شيئاً يوقف الجوع الذي استوطن الأجساد وبلغ التجاويف.

حكومات قوامها عشرات الوزراء وآلاف الموظفين، لم تحقق من طموحات الناس حتى نفحة من نفحات "أديسون"، ولا وفرت الرغيف الذي يجعل الإنسان على قيد الحياة، وعلى قيد الأمل أيضاً.

انهارت العملة المحلية، وأصيبت بالتضخم جراء طباعة مبالغ كبيرة دون غطاء، وصل سعر الدولار مقابل الريال إلى أكثر من سبعمائة ريال، دون البحث عن أي حلول، حتى جاء قرار عمل "لجنة اقتصادية" للوقوف أمام المتغيرات الخطيرة.

السؤال هنا، هل غاب الكادر الوظيفي القادر على العطاء خلال فترة أربع سنوات من الحرب؟ أم أن هناك عوامل أخرى وضغوطات كانت فوق الجميع؟ هي مجرد تساؤلات أما واقع المواطن فله حسابات أخرى، حيث ظهرت الحكومة بعيدة عنه كل البعد.

إن من المهم جداً التدرج في السلم الوظيفي، لإنضاج الأفكار الإدارية، والعمل الإداري عموماً، واكتساب الخبرات، ومثله التدوير الوظيفي، لكن أن تمنح أحدهم درجة مدير عام، أو وزير، أو وكيل دفعة واحدة، فإنك هنا تضعه أمام "ترقية" وليس أمام مسؤولية وعمل، لذا لا تنتظر مخرجات طموحة من قبله، بل توقع أن يصبح عقبة أو عائقاً لا أكثر.

وهذا ما هو ملموس اليوم لدى حكومتي صنعاء وعدن، مع الفارق في التنوع والكادر، ففي صنعاء تعيينات أحادية وكارثية، وترقيات أشبه بترقيع مياه البحر، ربما لم تحدث مع أي حكومة ولا في أي بلد كان، ولا داعي لشرح التفاصيل، بدليل أن الإنتاج صفر.
أما حكومة عدن وإن حملت بعض التنوع، فإن حالة "الشتات" والتضخم، وعدم الاستقرار ما زال يلاحقها إلى أن يأذن الله بفتح قريب.

بالعودة إلى الحكومات السابقة مثلاً في عهد "صالح" فبرغم كل الحملات التي كانت تشنها القوى السياسية ضدها، والكثير من وزرائها، إلا أن بعض هذه الحملات كانت مجرد مناكفات، وأحيانا صناعة مواد صحفية وإعلامية، وهناك من كان يكتب ليبتز فلاناً أو مدفوعاً من فلان.

كل هذا لا يعني تبرئة ذلك النظام الإداري من الفساد، والكثير من الفشل، لكن يظل الإنصاف، هو الطريق الطبيعي لتصحيح مسار أي اختلالات في الوظيفة العامة، أو إدارة المشاريع.

اليوم يأتي قرار إنشاء "اللجنة الإقتصادية" في هذ الظرف، وفي هذه اللحظة الفارقة، من دافع الحاجة والتأكيد على وجود مشكلة كبيرة؛ في اقتصاد البلد ومساره السياسي، لذا ستبقى العملية شكلية أو صورية ما لم تخلق هذه اللجنة فرصة للعمل الحقيقي، ولملمة الواقع المتشظي.

وجود اللجنة الاقتصادية يعني:

إيجاد وتفعيل مصادر الموارد الرئيسية وخاصة "النفط والغاز"، ومنح الصلاحيات الكاملة لتحرك تكنوقراطي، وإقامة علاقات خارجية قوية محملة بضمانات اللا مجال للفساد.

رسم خارطة أعمال ومشاريع لكيفية تصريف الدعم، وتلاشي الانهيار التام.

التعامل مع الأشقاء بشفافية مطلقة وشجاعة، من خلال اطلاعهم على الاختلالات والقصور وأدوات المعالجة، واستجابة كل تلك الأطراف وتفهم كل هذه الأمور.

وجود اللجنة الاقتصادية بقيادة "حافظ فاخر معياد"، يعني إعادة النظر في الهيكل الإداري والوظيفي الذي أصيب بالتضخم والشللية والمحسوبية، والرواتب الباهظة، والإنتاج.

وجود اللجنة الاقتصادية يعني الوقوف على كل المستجدات، والأولويات، والبدء بإقامة مشاريع تنموية، وإعادة تأهيل المناطق الحيوية، والخدمات الضرورية، وضبط أسعار الصرف مقابل العملات الأجنبية، ما لم فإن الأمر سيظل مجرد خبر.

أعتقد أن حافظ فاخر معياد رجل إداري محنك، تدرج في وظائف هامة، ولديه الكثير ليقدمه، في مرحلة كهذه، وهو شخصية إدارية غير مستسلمة، ولا يمكن أن يقبل بأن يكون ورقة للحرق، أو مادة للتداول.

لذا الوطن يحتاج في اللحظة الراهنة إلى رجال لديهم رؤى في مواجهة المشاكل، وتقديم نماذج أعمال ناجحة، والعمل على إيقاف العشوائية والفوضى في العمل الإدارية، وتحديداً ما يخص التسليح، ومواضيع الإغاثة، والرواتب، وملفات الجرحى، والنازحين في الداخل والخارج، وفساد القنصليات، وصيانة الطرقات.

الناس ملت الأكاذيب، وتعبت من الانتظار، المواطن اليوم يموت جوعاً في بيته، وبصمت شديد.

أتذكر الكثير من حملات التشويه التي كانت تقاد بانتظام ضد رجالات صالح وكان حافظ معياد أحدهم.

ذهبت "المؤسسة الاقتصادية" لمجرد بدء التغيير وقد كانت إمبراطورية، ثم سقطت "دائرة الأشغال العسكرية" بعظمتها في براثن الفساد والإفساد، كل هذا قام به الداعون إلى التغيير، انهارت شركة الطيران "اليمنية" بكامل هيكلها، ثم شركة التبغ والكبريت "كمران"، ثم "كاك بنك" والذي لا زال يقاوم.

وبدلاً من البناء وتراكم الخبرات والمنجزات القائمة، أتينا على كل شيء، ولا زالت رحلة الفوضى والتدمير الممنهج تسير بوتيرة عالية.

انهار التعليم بكل مستوياته، الصحة، الأوقاف، النظافة، طار الراتب، تلاشت الحريات، تقوقع الإعلام حتى صار "زاملاً" في إذاعاتهم يدعو للموت.

البلد صار جحيماً، والاقتصاد هو عصب الحياة وسند النهوض، لذا نحن بحاجة لمن ينتشله من هذا المستنقع الخطير.

فمن سيتصدر المشهد ولديه الجرأة والشجاعة لأن يتحمل مسؤولية النهوض باقتصاد البلد.

نحن أمام كارثة إنسانية واقتصادية تتفاقم كل يوم، وهي أشبه بكارثة انهيار "سد مأرب" قديماً.

ولأن السبع العجاف قد مرت فإن سبعا شدادا أخرى في الانتظار ما لم يكن هناك "عزيز" يتفهم ذلك، وبالمقابل يكون هناك شخص يتحمل ولو جزءا بسيطا من شجاعة وثقة "يوسف" عليه السلام، ويتصدر المشهد بكل جدارة.

(وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين، قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم).. صدق الله العظيم.

نحن بحاجة إلى رئيس حكومة متخصص في الاقتصاد والإدارة، المرحلة ليست مرحلة تاريخ وديبلوماسية، البلد لم يعد يحتمل المهادنة مع الواقع والسيناريوهات التي ترسمها أطراف الصراع، نحن بحاجة إلى شفافية شجاعة مع التحالف، ورؤية واضحة مع قوى الداخل، للخروج من نفق الانهيار الكامل للإنسان والدولة.

الناس تريد معرفة من يحكم البلد اليوم وكيف؟ وما هي الرؤية التي سوف تستجد بعد انتهاء الحرب؟ وهو بحاجة إلى خدمات ملموسة لكي يطمئن.

إذا لم تتم التنازلات والشفافية، وإعادة الاعتبار للموظف الذي فقد قوت يومه وراتبه على أقل تقدير، فإن الانتكاسات سوف تتوالى، في فرز الواقع إلى طبقة دنيا مسحوقة تنتظر الموت كمخلص لها، وطبقة من رجال أعمال يبحثون عن فرص لتشغيل أموالهم خارج البلد، وطبقة في أعلى السلم وهي طبقة الحكومة؛ رواتب بالعملة الصعبة وسفريات مستمرة وأمل كذاب.