جلال محمد
عام على رحيلك.. الساحل والجبل يتطهر والكهنوت يتردى
عام مَضى منذ استشهادك ورفيقك الوفي ومرافقيكما الفدائيين.. أيام رتيبة مُملة لا طعم لها مرّت وانقضت دقائقها المتسارعات، تاركة بين ثنايا قُلوبنا المتعبة قُروحاً ونُدوباً عَميقة تَفتقد الضماد، مع هذا الزَمن المُبتلى فيه اليمن بكهنوت الحوثي وانشقاق الصف الجمهوري، ومع هذا الواقع المظلم وضَبابية أفقٍ غدا مَسرحاً لكوميديا تَناقضات سَمجة، جَمعت بين حَيرة مُبهمة هَجينة الألوان، وتقلب وتبدل مواقف من كنت أيها الشهيد ونحن نرى فيهم رجالاً للوطن، ورصيداً للنظام الجمهوري، وعنواناً للنخوة والقبيلة ورفض الضيم.
عام أيها الشهيد ورفيقك الأمين، منذ ساد لون واحد، وطيف واحد، وعنصرية نتنة، تهاوت قمم كنا نراها بعين الاعتبار، واليوم ننظر إليها نظرة احتقار، في ظل أيام ومجريات أحداث أجبرنا على تَجرُع مرارتها صَباح كل يوم، وفَوضى وطنٍ جريح لم تَعد له أي مَعالم تشبه أصالته وتاريخه، بعد أن فَقد مَعنى وجوده، وغدا مَلعباً لسُخرية الأقدار، خصوصاً في تلك الجغرافيا الواقعة تحت سلطة الإسلام السياسي، وعلى رأسهم الكهنوت الحوثي.
عام على استشهادك شامخاً شجاعاً ووطنياً كما كان عهدك ومن معك.. عام مضى والذكرى ما زالت تتدحرج بين زوايا العتمة، وخواطر البوح بالهموم وتباريح الفراق باقية حتى الساعة تعتصر الصُدور، فلا الحسرات تُشفي آلام الرحيل أو تعيد الوطن المختطف، ولا الوجع الضارب في أعماق قلوب كل يمني حر كنت أنت القريب منه والممثل الحقيقي لما يكتنفه فؤاده يُخفف لوعة الفقدان والخسارة التي تعرض لها وطن وشعب، ولا الشُرود لاستذكار مآثرك ومآثر الشهداء الأوفياء لله والوطن والجمهورية والعدالة والمساواة يَجلب شيئاً من السلوى، بعد أن غَدا الشعب يجهل مَسافات أسفاره، وإلى أين يتجه، ومتى ستحط ركاب رحلتها الأخيرة، حيث ذاك الساحل أو تلك المَحطة أو ذلك المَرفأ، قد تَقصُر هنا أو تَطول هناك، قد تُرهق وقد تُريح، وقد تُضحك وقد تُبكي، لكن مهما مضى الشعب في خَطوات سفره المَجهول الطريق والخاتمة، سَتبقى أنين الذكريات بمَثابة أهزوجة جَدلية، تتردد مع عبرات الوَداع وحرقة ألم الفِراق.
عام مَضى يا زعيم على فدائيتك أنت ورفيقك الزوكا.. والحال هوالحال، ما تغير منه شيء، اليمن ما زال يئن من نزيف جِراحه التي أثخنها وما زال يوسعها عبدالملك وأتباعه، ما زالت الطرق ملغمة، والميناء محتلة، والمواطن جائعاً والراتب منهوباً، والقبائل ترمي أبناءها في محارق الحوثي دفاعاً عن خرافة الولاية وسيد الكهف!!
ما زال الوطن، سيدي الشهيد، سَعفاته يابسات، عُيونه باكيات تشكو جحود الأيام التي تبدت له ولنظامه الجمهوري ممن تشدقوا كثيراً بالجمهورية وأتخموا من خيرات الجمهورية، وما زال الألم يتغلغل في قلوب شعبنا الذي سَحقت الأقدار أضلعه، ومازالت ثكالى الوَطن يَندبن الراحلين، يكفكفن الدمع بغير أمل، وطفولته حَتى اليوم تهَفو لفَرحها دونما أجل، ولا تَزال العبرات تخنق قلوبنا المُتخمة بالألم، وهي تَنظر أملاً قد يَجود به غَبش يَوم جَديد.
عام مضى.. فماذا أقول وأقول، وبأي العِبارات نستذكر يومك يا زعيم الشهداء ورفيقك عنوان الوفاء، بعد أن فَقدنا الجُرأة في زمننا الضائع من حِسابات التاريخ، من البوح بخَلجات قُلوبنا الحائرة، ولم تَعد هناك من عِباراتٍ تقال بالهمس أوبالعَلن، فالأفكار قد تَناثرت والحُروف تَبعثرت، والكلمات تاهت بين طيات الهُموم، ولم يَتبق منها بين حَشايا ذاكرتنا المُنهكة ما تُمّكنا بأن نَرثيك بها اليوم، يا مَن كنت رَسولنا لتلك العُهود الخَوالد، المُزدانة بألق الوَفاء وسَواقي العَطاء وشُموع التَضحية، وأنت تَصدح بصَوتك البُطولي عالياً بين دُروب النِضال، رافعاً أعلام الحُرية والمُساواة لتقول "ثُر أيها الشعب العظيم، ثُر من أجل كرامتك وحريتك ونظامك الجمهوري".
أيها الشهداء، ورغم هول المصاب، إلا أن جزءاً من الشعب لبى النداء، واتجه لميدان الفداء والتضحية، ومرغ أنف المتغطرسين في غضون مدة قصيرة، نم قرير العين يا شهيد، فالمخا والخوخة وحيس وحتى شارع صنعاء في الحديدة يتوشحون علم الجمهورية بعد أن داسوا شعار الفتنة بعد أن تم سحلهم في الساحل، وفي جبال صعدة والبيضاء ودمت يتردى الكهنوت لأبد الآبدين.