فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

السعودية.. موقفان مع الإخوان لماذا؟

Wednesday 21 August 2019 الساعة 10:51 pm

لم يقل خصوم حزب التجمع اليمني للإصلاح إن هذا الحزب هو امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، إنما الإصلاحيون هم الذين قالوا إن حزبهم جماعة الإخوان المسلمين اليمنية، ويرجعوا تاريخ تكوينها إلى أواخر العام 1961، على أيادي طلاب يمنيين في مصر أمثال: عبده محمد المخلافي، عبد المجيد عزيز الزنداني، عبد اللطيف الشيباني، محمد السنيدار، عبد السلام خالد كرمان والد توكل... وآخرين.

هذا أمر يعتز به قادة الحزب وكُتابه.. وقد فصلنا ذلك في مقالات سابقة، ولو أراد قارئ شكاك أو متشكك ما تطمئن به نفسه نحيله إلى مقالات الشيخ الزنداني الذي كان يشغل منصب المراقب العام للجماعة، وما سجله رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في كتاب مذكراته الذي نشر عام 2007، حيث أكد أن جماعة الإخوان المسلمين كانت المكون الأساسي لحزب التجمع اليمني للإصلاح.. وأكد هذا أيضاً محمد قحطان رئيس الدائرة السياسية في الأمانة العامة للحزب الذي أعد دراسة بعنوان التجمع اليمني للإصلاح النشأة والمسار (نشرت في مايو 2012 في كتاب: دراسات في مسيرة التجمع اليمني للإصلاح، ضمن سلسلة المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية)، حيث تتبع فيها موقع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، خلال مراحل تطور الحركة الوطنية في اليمن، وأشار إلى أن جماعة الإخوان في المرحلة الثالثة (1967– 1974) اتجهت نحو البناء التنظيمي والعمل التربوي الذي أخذ أولوية على العمل السياسي.. ومنهم سعيد ثابت سعيد الذي أكد الأصل الإخواني لحزب الإصلاح في دراسة مطولة لها عنوانها "الحركة الإسلامية في اليمن إشكاليات النشأة والمسار".. ومن هؤلاء أيضاً الشيخ عبد الله العديني، ويمكن الرجوع إلى مقال له عنوانه هكذا: عبده محمد المخلافي الداعية الذي حطم طاغوت الليبرالية والعلمانية في الستينات!

وإذا انتقلنا إلى واقع الحال سوف نرى أن الارتباط الفكري والتنظيمي والسياسي لحزب الإصلاح مع جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر ومع التنظيم الدولي للإخوان ظاهر واضح، وزيادة على أنه يعتنق العقيدة نفسها التي تعتنقها جماعة الإخوان المسلمين، وهي بطبيعتها عقيدة تدخل فيها مركبات فكرية وثقافية وسياسية تجنح نحو التطرف الديني والإرهاب، فإن تغلغل فكر المدرسة السلفية الجهادية جعلته أكثر تطرفاً، حتى إن المتابع المدقق يجد صعوبة في التمييز بين معظم الإصلاحيين وبين التكفيريين أو عناصر تنظيم القاعدة أو تنظيم دولة الخلافة الإسلامية- داعش.. وحتى اليوم لا يظهر حزب الإصلاح أي توجه نحو عملية مراجعة فكرية إطلاقاً، لأن قياداته في مختلف المستويات التنظيمية لا تحبذ ذلك، حتى شباب الحزب الذين ينوهون لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ويقومون بالدعاية له، أو يقيمون في كنفه تراهم من الناحية العملية يتجنبون أي قول أو سلوك يحاكي تجربته الإسلامية المتطورة.

لقد أصدرت الحكومة السعودية يوم 6 مارس 2014 القائمة الأولى للأحزاب، والجماعات، والتيارات المحظور نشاطها أو الانتماء إليها أو دعمها، بصفتها منظمات إرهابية، وشملت القائمة: تنظيم القاعدة، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، جماعة الحوثي، تنظيم القاعدة في اليمن، تنظيم القاعدة في العراق، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش، جبهة النصرة في سوريا ــ حزب الله السعودي، وجماعة الإخوان المسلمين، وقبل أيام تم تجديد تلك القائمة بجماعات إرهابية أخرى ليس من بينها حزب الإصلاح في اليمن.. إن الحكومة السعودية تتعاطى مع حزب الإصلاح على الرغم من أنها تعلم أنه الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة، واكتفت بوضع عدد من أسماء قيادات الحزب في قائمة داعمي الإرهاب وممولي الأنشطة الإرهابية، وهي تقريباً نفس الأسماء التي وضعها مجلس الأمن الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية في قوائم الإرهابيين.

والسؤال الذي يثيره كثير من المتابعين يتعلق بهذا الموقف السعودي المزدوج، ففي حين يؤكدون معرفتهم أن حزب الإصلاح جماعة إخوان مسلمين فإنهم لم يصنفوه ضمن قائمة الأحزاب والجماعات الإرهابية حتى الآن على الأقل.. فلماذا؟

أغلب الظن أن الحكومة السعودية ترغب في الاستفادة من هذا الحزب في المرحلة الراهنة، حيث تعتقد أنه لا يزال محتفظاً بقدرته على التأثير في المجتمع اليمني خاصة القبلي منه، وكذا تقديرها لخروجه المبكر عام 2015 ليعلن تأييده عاصفة الحزم دون تردد، ومحاربة جماعة الحوثي، فضلاً عن ما يقال إن مقاتليه يسهمون في الدفاع عن حدودها الجنوبية والتصدي للحوثيين هناك.. ومعظم هذه الأسباب لو صحت تعتبر آنية، وسوف تزول بزوال مبرراتها، بينما بعض الأسباب الأخرى هناك مبالغة في تقدير دورها.. في ما يلي سنرى لماذا يسقط صاحب القرار من حسابه كثيراً من المتغيرات كما أنه -على ما يبدو- يتأثر بالمبالغة التي تضفى على أدوار حزب الإصلاح وفي تقدير تأثيره:

من جهة القدرة على التأثير، يتم إغفال حقيقة مشهورة وهي أن جماعة الإخوان المسلمين في الماضي، كانت تكبر من خلال وجودها في السلطة، وقد تزايد وجودها في عهد الرئيس صالح لأسباب وملابسات مختلفة، وبعد أن تغير المسمى إلى التجمع اليمني للإصلاح كان حزب الإصلاح يكبر بأدوات الدولة وأموالها، فالنفوذ الذي حققه لم يقم على قدرات وميزات خاصة فيه، بل كان يقوم على تسخير قدرات الدولة لتحقيق أهدافه السياسية أو خدمة أغراضه الحزبية. ووجوده إلى جانب الشرعية منذ العام 2015 وحتى اليوم مكنه من توسيع وجوده في الحكومة وفي مؤسسات الدولة الأخرى بما في ذلك مؤسسة الرئاسة، ويمكنك أن تقول الشيء نفسه بالنسبة للجانب العسكري، حيث تغلغل نفوذه في الجيش بصورة واضحة، وصار يسيطر على جميع وسائل الإعلام الحكومية تقريباً، ودائماً ظل ينزع إلى استبعاد الآخرين، ولأنه يحكم من خلال الآخرين، فإن كل عيوب الحكومة والرئاسة كانت وما تزال تنسب للرئيس هادي ورؤساء الحكومات، ويبقى هو في مأمن من هذا النقد، الذي يشمل أحياناً داعمهم القوي علي محسن الأحمر.. وإلى جانب ذلك هناك عوامل الدعم الخارجي التي بها يكبر حزب الإصلاح، بما في ذلك التمويل المالي الذي يحصل عليه من مصادر تمويل سعودية، وليس من قطر فقط.. وهذه كلها مصادر قوة للإصلاح من خارجه، وليست كامنة فيه لذاته، لكن السعوديين يغفلونها ويغفلون أنها لا تتصف بالاستدامة.

وإذا جئنا إلى القوة العسكرية الكبيرة التي بحوزة حزب الإصلاح، والتي قدر الدكتور عبد الله النفيسي أن قوامها البشري أكثر من 45 ألف مقاتل، وكذلك نفوذه بل سيطرته الأساسية على معظم ألوية الجيش الوطني، فإن هذه القدرات والموارد البشرية، والأسلحة الهائلة، لم تثبت فعاليتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولو حتى في الحد الجنوبي السعودي.

وبقي العامل الاستراتيجي الذي يعتقد أنه يحظى بأولوية في التفكير السعودي، فإن حزب الإصلاح بعد رحيل الشيخ عبد الله الأحمر، ثم منذ الحرب التي دارت بينه وبين الجماعة الحوثية، قد فقد الجزء الأكبر من ثقله القبلي ومن تأثيره في المركبات القبلية.. نعم لقد كانت القبيلة مكوناً أساسياً للتجمع اليمني للإصلاح منذ تم إشهاره في مؤتمر السلام بصنعاء يوم 13 سبتمبر 1990. ولبعض الوقت ظل الثقل القبلي للإصلاح يتركز في الموطن التقليدي لزعامة قبيلة حاشد.. هذا لم يعد قائماً بحكم عوامل عدة طرأت، حتى إن مشايخ حاشد الذين ينتمي معظمهم لحزب الإصلاح عندما اجتمعوا لمناقشة الأسباب التي أدت إلى سقوط مشيخة آل الأحمر ونفوذهم الإصلاح في حاشد أمام المسلحين الحوثيين عام 2014، انتهوا إلى بيان هونوا فيه قليلاً من دور القوة العسكرية للجماعة الحوثية في سقوط مراكزهم القبلية، وأرجعوا الأسباب إلى سبب واحد رئيسي هو الخلافات الحزبية التي قالوا إنها دبت في أوساط شيوخ قبيلة حاشد، نتيجة تباين وجهات نظرهم حول ثورة 11 فبراير 2011 الشبابية- الشعبية السلمية، بين مؤيد ومعارض، مما أدى إلى افتراقهم ومن ثم تشتت قدراتهم، وكذلك انحياز عدد منهم إلى الجماعة الحوثية.