فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

تقرير يسوّد الوجوه

Sunday 29 September 2019 الساعة 09:50 am

 

طالعت ردود أفعال الشرعية وبعض حلفائها على التقرير السنوي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان المتضمن تقرير فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين بشأن حالة حقوق الإنسان في اليمن منذ 2015 وحتى أغسطس 2019.. لا أعتقد أن ردود الأفعال الغاضبة هذه سوف تؤثر في التقرير قبل أو أثناء أو بعد عرضه على مجلس حقوق الإنسان في دورته الثانية والأربعين المنتهية يوم 27 سبتمبر.. لذلك لا قيمة ولا معنى للاحتجاج إن لم يعضده تصحيح لوقائع مغلوطة أو غير مؤكدة، والموقف السليم الذي يتعين على الشرعية هو التعامل مع التقرير والأخذ بتوصيات واضعيه، ووقف الانتهاكات فوراً ومساءلة مرتكبيها وجبر ضرر الضحايا وأسرهم.

نعم، ردود الأفعال المشار إليها تنم عن مجرد غضب تملك أصحابها، فهي مصدومة بمحتوى التقرير، كما يبدو، بينما الجزء الأعظم من هذا المحتوى يتمتع بمصداقية، على الأقل بالنسبة للمتابع الذي يعقد مقارنة بين الوقائع التي وردت في التقرير وتلك التي حدثت في الواقع، كما أن ردود الأفعال تلك لم تتعرض إلى مآخذ جوهرية على التقرير.. مآخذ ترجع إلى عدة عوامل من بينها ثلاثة في تقديرينا، وهي:

أن الشرعية والسعودية والإمارات رفضت السماح بدخول الفريق أراضيها، كما رفضت الاستجابة لطلباته أو الرد على أسئلته، ومن الطبيعي أن يلقي هذا الموقف المهين بتأثيره في الفريق، ودعونا من حكاية الحياد والموضوعية، فالفريق نفسه -بعد ذلك الرفض- لم يجد سبيلاً لإنجاز مهمته سوى التعامل مع بدائل من بينها استجواب الشهود والضحايا عن بُعد، والركون إلى تقارير وروايات إعلامية..

وواضح أيضاً أن الفريق أثرت فيه تقارير وتدابير طرف سياسي في الشرعية معروف بسلوكه العدواني تجاه صالح والمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الموالية له، ومعروفة صلته بالإرهاب ومناصرة التنظيمات الإرهابية، ومشهور بعدائه الواضح لبعض دول التحالف، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة..

والعامل الثالث هو أن كل أدلة الفريق والحالات التي استشهد بها في هذا التقرير حجب مصادرها، وقال إنها سريّة في الملف، بذريعة حماية شهود وضحايا، وعلى الرغم من أن هذا التدبير الوقائي مقبول إلا أن نقطة ضعفه تكمن في عدم قدرة الشرعية وسائر المعنيين على التثبت من مصداقية ونزاهة تلك المصادر.. ناهيك عن أخطاء فنية كثيرة: فكتائب أبو العباس مركز نشاطها عدن، وقصر دار الحجر في الحوطة، ومركز قيادة اللواء 35 مدرع في المخا، وقوات صالح احتلت مباني المستشفيات في عدن، وغرق أشخاص بينما كانوا يبحرون إلى جزيرة البريقة، وهاني بن بريك السلفي مدبر اغتيال سلفيين، وسجناء حوثيون محتجزون حتى هذه اللحظة في معتقل جهز لهم عام 2015 في ميناء عصب الأريترية، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب المؤلف من سعوديين ويمنيين هو عينه أنصار الشريعة، ومقاتلو داعش مدنيون أبرياء.

وباستثناء ما سبق فإن التقرير -الذي قرأته بعناية- كافٍ لشرح ما تعرض له مواطنون يمنيون من انتهاكات شتى جسيمة، تسود وجوه الشرعية وحلفائها المحليين والخارجيين، كما تسود وجه حكومة الحوثيين التي أطلق عليها الخبراء الدوليون والإقليميون مسمى سلطات الأمر الواقع، وقالوا إنها تعاملت معهم معاملة أفضل من معاملة الطرف الآخر الذي رفض منحهم الدخول للأراضي اليمنية، بينما كانت سلطات الأمر الواقع تود استقبالهم على سجاد أحمر وواحدة وعشرين طلقة مدفع وكثير من القبل (مع ذلك فإن التقرير كشف أن سلطات الأمر الواقع ارتكبت صنوفاً شتى من انتهاكات أكثر من غيرها، وطالت كل الفئات اليمنية).

نقول إن حقوق الإنسان فردية.. مواطن واحد يعتقل دون مبرر أو حتى مع وجود المبرر، فيُعذب أو يُخفى أو يُقتل دون تهمة واضحة وتحقيق نزيه، ودون محام يدافع عنه، ودون محاكمة منصفة، تعد جريمة جسيمة تتحمل الدولة أو تابعوها تبعاتها.. أكان هذا المواطن مقاتلاً أو مدنياً، ذكراً أو أنثى، أو كان أسيراً أو حتى إرهابياً.. تظل هذه جريمة جسيمة مرتكبة بحق إنسان ما لم يدنه دليل ولم يساعده محام قبل أن تحكم هيئة قضائية بإدانته أو تبرئته، فما بالكم بالقتل الذي وقع منذ العام 2015 وحتى اليوم بالجملة والمفرق، ومن الأرض والسماء.