مدينة صنعاء المسكونة بالوحشة والظلام تعيش ظروفها الأخيرة التي تحولها إلى مدينة معزولة تماماً عن كل ما يربطها بالعالم الخارجي والتطور الحضاري، ولعل المجتمع قد بزغت في عقله فكرة إعادة التراسل بالحمام الزاجل والتواصل عبر رسائل ورقية ينقلها بيجوت من الفرزة.
تفرض ميليشيا الحوثي برنامجها الأمني الذي يفرض طوقاً وحصاراً على المجتمع وخاصة في مجالات الاتصالات والانترنت، حيث بدأت بتحجيم نطاق شبكة الانترنت وإضعاف السرعة غير الموجودة بالأصل، بالتزامن مع حملة تنادي بخطر استخدام الانترنت على الأخلاق والقيم التي يعتنقها المجتمع، وأن كل محتوى يقدمه العلم عبر الانترنت هو اختراق يحطم الأمة من الداخل، حسب ما تروجه جماعة الحوثي للمجتمع.
الهاجس الأمني هو ما يقلق جماعة الحوثي ومحاولة فصل المجتمع في مناطق سيطرته وعزله عن العالم كما يفعل النظام الإيراني، هي سياسة للتحكم والسيطرة الفعالة للمجتمع وتقييد حريته، وفرض الإرادة الحوثية، وتغييب الناس عن مجريات الأحداث في العالم ومنع أن يتأثروا بها، مما يسبب حركات احتجاجية وانتفاضات شعبية قد تسقطهم، وخاصة بعد الانتفاضة في العراق ولبنان.
الإنترنت في اليمن هو الأسوأ والأغلى في العالم، حيث تعمد جماعة الحوثي إلى رفع سعر خدمة الانترنت من أجل زيادة الإيرادات، وتقدم خدمة سيئة وبطيئة للتخفيف من عملية التواصل والبحث والتعليم، الأمر الذي تسعى إليه في سلب الإرادة والعقلية المجتمعية وتطويعها وتطعيمها بأفكارها بعيداً عن أي تأثير خارجي.
ولأن كل جماعة دينية متطرفة ديدنها هو سلب حرية الناس وانتهاك حقوقهم، تقوم جماعة الحوثي بهتك حقوق المجتمع وفرض الأفكار بالقوة، وتصنع من صنعاء مدينة موحشة متطرفة لا تلد إلا التطرف والإرهاب، وتحويلها إلى مدينة معزولة عن الحضارة ترتدي اللباس الأسود في حياتها ومعيشتها.
لا يوجد جماعة إرهابية كهذه الجماعة التي حصلت على بلاد بأقل التكاليف، وسلبتها من سلم الحضارة والاندماج العالمي وقوقعتها في مكان مظلم مجرد من كل عوامل النهوض والسير نحو المستقبل، الحوثية جائحة أصابت صنعاء بالعور، وأسكنت فيها الوحشة في ظل مخالب الأفكار المتطرفة والإرهابية.
لم تكن صنعاء يوماً إلا عاصمة للسعيدة، ومدينة يسكنها التنوع والثقافة والفنون، لا تهدأ ولا تنام، ديناميكية الحركة باستمرار، وما إن تسرب إليها الفكر الإخواني أولاً ثم تبعه الفكر الحوثي اللذان شكلا دائرة موسعة من الأفكار المتطرفة والإرهابية، حتى سقطت في وحل الجماعات الدينية والوشاحات السوادء.
صنعاء اليوم هي موطئ لكل الجرائم التي ترتكب ولا يلفت لها الإعلام المحايد لعدم وجوده، وهي مدينة موبوءة بالفساد الأخلاقي الذي يسير تحت جنح الظلام، وهي مركز لصناعة الإرهاب والمتطرفين وخاصة بعد هدم عملية التعليم، وهي المدينة التي نُكست فيها حرية التعبير، والإعلاء من قيمة الإنسان وحياته، وهي المدينة التي تعج بالمرضى بلا دواء وبالموتى بلا مقابر للدفن، وتعج بالأسى وعض أصابع الندم.
من يقرأ واقع صنعاء سيعرف أنها تذوي أكثر وأكثر، ولا مؤشرات ايجابية لتحريرها وطرد جماعات الإرهاب التي تسيطر عليها، ولا بصيص أمل في وقف نزيف المجتمع وتغييبه عن الواقع الحقيقي، وعزله عن العالم أكثر، كلما طال الوقت غرز الحوثي مخالبه في جسد المجتمع وطوق عنقه وأحكم قبضته الأمنية.
تقف المملكة بجوارنا وقد أسقطت الفكر الوهابي ووصايته على حياة المجتمع السعودي، بينما تنزوي صنعاء في ظلمتها الكئيبة تقف عند بابها الجائحة الحوثية بمخالبها الدموية وتفرض فكرها المتطرف والإرهابي، تخرج الرياض إلى النور، لتدخل صنعاء في أحلك الظلام.