محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

آثمون إذا استغفلتنا "الشرعية" مرة أخرى

Sunday 09 February 2020 الساعة 08:42 am

الحرب أسقطت كياننا الذي انتمينا إليه لإدارة الشأن العام والمصلحة العامة، تجزأنا وأرخصت الحرب من قيمنا وقيمتنا الذاتية، وأردت كبرياء كل مواطن في حضيض البؤس والانهيار المزعج، سخرت من سقوطنا كل غربان الدنيا وهي تنقر في جثثنا، واشتد ساعد التنمر في كل محطات ومطارات العالم فور وصول أحدنا مثقلاً بخيبات بلاده التي وأدتها الحرب.

طالت الحرب بوحشيتها، ووحوشها التي أنابت مخالبها في جسد المواطن دون رحمة، لم تتركنا نتنفس، جرفت بيوتنا وحولتها مساكن للريح تعوي فيها، وسحقت كل تطلعاتنا التي بنيناها في ظلال الدولة وحماية قانونها، وتحت سماء جمهورية أرخت بسواعدها لكل الإخاء والمساواة والسير نحو تقديم الأفضل، وجدنا أنفسنا بدون غطاء يحمي أو درع يصد، صهرتنا الحرب بقوة وشدة الموت في نزع الروح.

مفككون في أطراف بلادنا، نبحث عن ومضة نهتدي بها في إبلاغ ذواتنا بإعادة التقييم، والرضوخ لواقع يجترنا بعيداً عن مساقط رؤسنا ومصانع تاريخنا الذي عشناه، نلهو بين وطأة الشوق للانتصار ومعابد البنادق التي أطلنا فيها الوقوف، نستعين بالدعاء ولوعة البوح في همساتنا، نراقب آخر الأخبار التي تستعجل بشيء يخفف هذا العناء المُر في حلوقنا وحقولنا.

السير على إثر خطوات لا تقود للأمام هي محنة في العثرات المؤلمة لإنقاذ ما تبقى من حياة للإنسان في هذا البلد، وتجريب المجرب في قيادات هزل بها الفساد وبيع الدماء طيلة خمس سنوات ولم ينتج عنها إلا مهالك الجنود في معارك كان يمكن فيها أن نصنع الانتصار وغسل العار الذي لحق بالهاربين من جحيم أوقدوه وباعوا الناس له حطباً، جريمة لا غفران منها لمن أعاد تجريب ما جربته المعارك في وقت كان النصر أقرب من مدى قذيفة.

إعادة إنتاج ما نفكر به بطريقة واقعية، طريقة يجب أن تتجاوز كل الهفوات الكبيرة للشرعية المثقلة بالفساد والخمول الوطني، وهذا التجاوز لا يصبح فاعلاً ومحرزاً تقدم إلا عندما نزيح صانعي الهزائم ومصاصي الدماء، وبائعي جثث الجنود، وسارقي أموال التحالف، وناهبي النفط، حينها ندرك مكامن الخلل الذي أعاق هذه البلاد عن رؤية آخر النفق.

الالتهاء بنتائج الحرب قبل حسم المعركة هو أسلوب تريد قيادات الشرعية من خلاله أن تخفي عار فشلها في تحقيق شيء يجعلها شريفة أمام دماء وجثث الجنود، ومحاولات تمييع حقائق الواقع بالحديث عن الوحدة والجنوب وإثارة المخاوف تفضح هزلية تلك القيادات التي سقطت في وضاعة الفساد ودناسة المتاجرة بالحرب. 

آثمون إذا تركنا كل مصائد الموت تتخطفنا، وآثمون إذا استغفلتنا قيادات الشرعية مرة أخرى، لا نعرف أي تأثير اخترق وعينا وإدراكنا في الركون على ثلة من صانعي الحروب ومنتجي الفساد لتحقيق النصر وإعادة بلادنا وديارنا!! 

نحن بلا شيء يمكن لنا أن نستقوي به سوى إرادتنا في تجاوز هذه المخالب، وعمق إيماننا في العبور نحو وضع نهاية لهذه الحرب بنصر يدمر كل أباطيل الكهنوت ويمحو الجهل والتخلف، ويعود الناس إلى مدنهم وقراهم التي تبولت عليها مكائن الحرب وقذائف الدمار.