محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

المخا.. بين إحياء الذات ومعركة الوعي العام

Saturday 29 February 2020 الساعة 04:45 pm

هي صورة من تلك التي تظهر فجأة من ركام التاريخ، أطلالها الحزينة تبقي الزائر في دهشته عن مكانتها التي كان العالم يقف أمامها كمركز تجاري، وميناء لتزود السفن بالوقود والصيانة، وشاهد أن الإنسان الذي سكنها تحمل أعباء طمرها عبر مراحل الزمن والدول التي اتخذت من المخا مركزاً اقتصادياً قبل أن يكون ميناء عدن ثم الحديدة.

الحرب رغم مآسيها وثقلها على الجميع أتاحت فرصة كبيرة ومواتية لليمنيين أولاً بإعادة اكتشاف المخا، وإبرازها على الخريطة السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية، أغلب اليمنيين وخاصة أبناء مناطق الشمال لا يعرفون عن المخا إلا أنها قرى متناثرة بجوار ميناء خذله التاريخ.

هناك دور بارز للمقاومة الوطنية لإعادة المخا وتحريك الحياة فيها، وصناعة العوامل التي تجلب أموال المستثمرين إلى هذه المدينة التي أنهكها الهجر والنسيان، تتخذ قيادة المقاومة إجراءاتها العسكرية في حماية المدينة باعتبارها كانت منطقة عسكرية تم تحريرها من ميليشيا الحوثي، وإجراءاتها أيضاً في إعادة الكادر الإداري للقيام بمهامه لخدمة المواطنين.

رغم دور المقاومة الوطنية لترسيخ الاستقرار في المخا، إلا أن هناك عوامل أخرى جعلت من هذه المدينة التاريخية صورة حية تتفاعل معها الأفكار والاتجاهات الثقافية والسياسية والدينية، أبرزت ما كان مخفياً في التاريخ القديم والمعاصر عن كنه وسر المخا الذي جعل منها مدينة لها حبرها الخاص في كتب الرحالة والتجار القدامى.

المخا ممتنة للحرب بأنها أرسلت اضطراراً مجموعة من المثقفين الذين يبحثون عن مأوى بعد أن غادروا صنعاء، ووجدوا في المخا مركزاً يستحق أن يكون فيه نقطة الانطلاق في معركة الهوية والجمهورية، ومن خلالها قادوا ثورة رأسمالها الوعي والشعور بالمتغيرات العميقة التي تجرف المجتمع عبر الجماعات الدينية "الإخوان" و"الحوثي"، وتمكنوا من لفت أنظار الجميع إلى ما تطلقه أقلامهم.

في ظل معركة الوعي التي تأسست في المخا بأشكال مختلفة، فنحن هنا نتحدث على سبيل المثال لا الحصر أهم الشخصيات الإعلامية والثقافية التي عملت على تشكيل وتنمية الوعي في وسائل الإعلام، "نبيل الصوفي" و"أمين الوائلي"، ومن بجوارهما.

لا يوجد من بعث المخا إعلامياً ولفت أنظار المجتمع إلى تاريخها مثلما فعل هؤلاء الذي استأمنوها على حياتهم، ومنحوها حبهم وإجلالهم، وسكنوا جوار الشاذلي وتزودوا من صوفيته، وأضافوا روحاً جديدة إلى أجسادهم، كتاباتهم عن المخا وكأنها أرض ولدت لتوها من رحم البحر، وما تلك الأطلال إلا شواهد صناعة العالم الذي تم في الغيب.

كل الوسائل الإعلامية والإعلاميين كانت تنظر في المخا مدينة تم تحريرها عسكرياً من ميليشيا الحوثي، وتلميحاً تتطرق إلى مينائها القديم، لكن الصوفي والوائلي وعبر موقع "نيوزيمن"، كانت نظرتهما أعمق وأصدق، فالمخا هي الإنسان قبل كل شيء، ثم يأتي التاريخ والعوامل الأخرى، رَأَيَا أن لا بد أن تعود المخا إلى واجهتها ولو على المستوى المحلي.

تسليط الضوء على الإنسان والحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المخا جعل من موقع "نيوزيمن" الوسيلة التي تزود كل مرتاديه على الإنترنت بحقائق وواقع المخا كمدينة تاريخية واقتصادية، ودورها اليوم في الدفاع عن اليمن كل اليمن.

المخا هي المدينة الوحيدة التي تحتضن مركزاً لأهم معركتين في هذه الحرب، فهي نقطة تجمع وانطلاق لقوات المقاومة الوطنية والقوات المشتركة، ونقطة انطلاق معركة الوعي بالهوية والجمهورية، وفي ظل هاتين المعركتين تبرز كمدينة أعادت لها الحرب صوتها ودورها وألقها التاريخي.