الدبابة والقذيفة والألغام والمتفجرات وكل أنواع الشظايا التي تمزِّق البلاد وتطحن عظّمة الإنسان فيه، كلها أحاديث عن حرب لها صوت يدوّي، وجبهات يرقص فيها المتقاتلون على نغم الموت بعشوائية، خلف هذه الأصوات للحرب العلنية هناك حرب أخرى تمتص الحياة وتقتص من المجتمع بهدوء، تسلب المستقبل والأحلام وترسم الموت في كل زاوية.
في كل بيت يمني توجد معركة طاحنة، وحرب منهِكة، تحولت البيوت إلى جبهات يسقط فيها الجميع قتلى، وتحولت الأسرة إلى ضحية لعدو أكبر منها قدرة وقوة وافتراسا، عدو يقترف الجريمة وكأنه يصلي على الجدران، لا بيت ينجو من نتائج الحرب وانعكاسها على حياة كل مواطن وكل بيت في اليمن.
دخلت المشاكل وضغوط الحياة من النوافذ والأبواب، وتزايدت وتعاظمت وتجاسرت هذه المشاكل والمشاغل ومتطلبات الحياة الأساسية، حتى أثقلت أركانات البيوت، وبدأت تظهر شقوقها ويسيل نزفها، وتتفكك روابطها الأسرية، واختفت ملامح الناس فيها وحولتها إلى تجاعيد حزن وألم وكآبة.
حروب الحياة في بيوت اليمنيين أكبر وأفظع من حرب السياسيين على السلطة، لأنها نتيجة للأخيرة، تغيب الدولة وتظهر أنياب وحروب تغزو المدن والبيوت، بينما يذهب السياسيون بعيداً، حيث الحماية والأموال، وتذهب الناس والبلاد إلى حروب الفقر والجوع والخوف، يقاومونها طويلاً، لكنهم في النهاية يسقطون.
إذا كان أب الأسرة هو المسؤول الأول عن تلبية احتياجات من يعول، لا يجد شيئا للقيام بواجبه، لا مرتبا ولا وظيفة، ولا عملا يقتات منه، فأي نتيجة نتوقعها عن عجزه في تلبية تلك الاحتياجات، إنها حرب قاصمة للظهر.
المرض والكآبة، والتحولات النفسية السلبية التي تفرز حروبا أخرى، تؤدي إلى تفكيك الأسرة الواحدة، وتفشي ظاهرة العنف وفرار الأطفال من بيوتهم نتيجة تلك الحروب فيها، يقاوم البعض للنجاة من الحالة النفسية التي تحاصر الجميع، لكنهم يجدون أنفسهم أمام حروب أخرى.
لا تعليم ولا مدارس، يضيع هذا الجيل في الظلام والتخلف، وكلما حاولت الأسرة أن تنتشل أبناءها من الجهل وجدت نفسها عاجزة، لأن لا شيء يمكنها القيام به حيالهم، التعليم أصبح مفخخا بالأفكار المتطرفة، والمدارس والجامعات أصبحت ثكنات وأوكارا للتدريب القتالي، والمساجد تحولت إلى أماكن للشحن الطائفي وبث الكراهية والحقد، كل ذلك يفجّر حربا خلف حيطان البيوت.
تعيسة بيوت اليمنيين، لا أحد من أولئك الذين يتقاتلون على السلطة يعينها على تجاوز حروبها، كواجب عليهم لأنهم السبب في كل ذلك البؤس والكآبة، لأنهم السبب في هدم الأسرة وضياع مستقبل البلد بأكمله، لأنهم السبب في سرقة ونهب حيطان تلك البيوت وأبنائها.