محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

قطعوا وريده بالجنبية.. صورة مُصغرة لجريمة ضحاياها شعب بأكمله

Friday 11 September 2020 الساعة 04:34 pm

جريمة ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة، خمسة أشخاص يقفون جوار بعض بقوتهم وغطرستهم أمام ضعيف لا يملك من القوة إلا الوجع والتألم، ذبحوه بدم بارد في غرفة ضيقة في شارع القيادة بصنعاء، وكأنه ذبيحة أُحل لهم سلخها.

التوحش الذي رأيناه في مقطع فيديو، واللحظات التي أرادت السماء أن تكشف عنه دون أن يدرك القتلة أن كاميراتهم ترصدهم، هو توحش أخرجته الحرب من مكمنه في النفس البشرية، توحش نبت مع أول طلقة وسط صنعاء وفي صدرها قبل أن تسقط في يد التتار الجدد القادمين من كهوف التاريخ. 

التوحش الإنساني هو أفظع من أن يكون في تلك الصورة، وهو أكبر من أن يظهر فجأة دون حرب، إنه نتيجه طبيعية لآثار الحرب النفسية في المجتمع، لقد صنعت الحرب في المجتمع أفظع مما تصنعه في جبهات القتال، تنتهك المجتمع وتقتله وتستميت في ذبحه بأبشع الطرق والوسائل، وما أفظع أن يتحول المجتمع إلى طبيعته المتوحشة. 

الآثار النفسية التي أنتجتها الحرب في اليمن على المجتمع مدمرة، لا يكاد يمر يوم إلا ونحن نسمع عن حالات الانتحار لشباب وفتيات، ورجال، ونسمع عن جرائم القتل التي زادت نسبتها، وجرائم السطو والسرقة، وجرائم النصب، كل تلك الجرائم هي نتيجة للوضع الذي وصلناه بسبب الحرب التي تمتد إلى الآن منذ خمس سنوات.

لا يخلو بيت يمني إلا والمعاناة النفسية قد وصلته، عيادات الأطباء النفسانيين مزدحمة، وأدوية الاكتئاب تكاد تكون السلعة الرائجة خلال هذه الفترة، الجميع يعاني نفسياً، والجميع يحاول أن يقاوم الضغوط النفسية، بسبب الحرب وقطع المرتبات وتدهور الوضع إلى أدنى مستوياته. 

لا يوجد مواطن يمني إلا وقد ناله نصيب من آثار الحرب، ولا يوجد شخص إلا ولطمته الأوضاع وأسقطته أرضاً، إنها الحرب وهذه نتائجها الطبيعية على المجتمع، زيادة نسبة الحريمة وتزايد أعداد الحالات المريضة نفسياً، واتساع المشاكل الأسرية وغيرها من المشاكل اليومية. 

وما جريمة شارع القيادة إلا مؤشر بسيط على ما وصلت إليه الحرب في النفس البشرية، حيث أخرجت الإنسان المتوحش وأيقظته في نفوس أولئك المجرمين، بشاعة المنظر جعلت أغلبية المتابعين يتضامنون مع الضحية، وهذا هو إيجابي، أن البعض لا يزال يقاوم ما تقدمه الحرب من بشاعة، وهي ليست الجريمة الأولى من هذا النوع. 

بالجنبية قطعوا وريده كما تقطع الحرب أوردة اليمنيين، دون رحمة أو رادع، ولا مغفرة للمجرمين، ولا عفو أو رحمة لمن يذبح اليمنيين من الوريد إلى الوريد، ولا يمكن أن نغفر من جاؤوا من كهوف مران وأسقطوا الدولة واغتصبوا صنعاء بقوة السلاح، وتركوا المجتمع يعاني كل آثار الحرب.