فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

جناية العصابة الحوثية على التعليم

Monday 30 August 2021 الساعة 08:51 am

تواجه العملية التعليمية في اليمن تحديات كبيرة بسبب الحرب التي تسببت فيها العصابة الحوثية.. خرجت معظم المدارس عن التشغيل.. الافتقار للكتب المدرسية.. حرمان المعلمين والمعلمات وأساتذة الجامعات من رواتبهم الشهرية.. لقد سخرت العصابة الحوثية الموارد المالية للدولة للمجهود الحربي، وتركت المدارس والجامعات، ونشطت عناصرها للتدخل في شئون المؤسسات التعليمية، مما جعلها بيئة غير ملائمة للتعليم.

في آخر عام دراسي أيام الرئيس علي عبد الله صالح كان أكثر من 97 في المائة من البالغين سن التعليم الأساسي ملتحقين بالمدارس.. خمسة ملايين ومائة ألف طالب وطالبة مسجلون في نحو 17 ألف مدرسة.. كانت تلك المدارس تتكون من 136 ألف فصل دراسي.. كانت الكتب المدرسية متوافرة.. رواتب المعلمين والمديرين والموجهين تُدفع قبل نهاية كل شهر..

منذ سيطرت العصابة الحوثية على السلطة، بدأ عدد الطلاب والطالبات في الانخفاض، فوصل في العام 2015 إلى أقل مما كان عليه العدد في العام 1999.. في الوقت الحالي هناك نحو مليوني طالب وطالبة خارج المدارس، والوضع نفسه ينسحب على حالة تعليم الكبار، أو برامج محو الأمية.

لقد تضررت كثير من المدارس، لأن العصابة الحوثية حولت عدداً منها إلى ثكنات عسكرية.. هناك قرابة ألف ومائة مدرسة تم إيواء النازحين فيها لعدم وجود بديل للهاربين من جحيم العصابة الحوثية.. في حالات كثيرة، قامت العصابة الحوثية بتحويل منشآت تعليمية إلى أماكن لاحتجاز المعتقلين المعارضين لها، أو من تعتقد أنهم يعملون لمصلحة حكومة الرئيس هادي أو لمصلحة التحالف العربي.. لقد نتج عن هذا السلوك المخالف لقوانين الحرب حدوث مذابح كما هو في مثال المعهد التقني القريب من مدينة ذمار.. كان هذا المعهد مخصصاً للتعليم المهني، فقامت العصابة الحوثية بإخلاء الدارسين وحولت المعهد إلى سجن، تحتجز فيه مئات المعارضين، دون أن تعلن عنه، وقد اشتبه التحالف العربي بهذا الموقع الذي اعتقد أنه مركز عسكري لعناصر العصابة الحوثية، فقام بقصفه فأدى القصف إلى قتل وجرح أكثر من مائة شخص بريئ.

قريب من هذا الفعل استهدفت العصابة الحوثية بعض المدارس عمداً، في الوقت الذي كان الطلاب لا يزالون فيها، فعلى سبيل المثال أقدمت ميليشيا العصابة الحوثية في شهر أكتوبر 2020، على مهاجمة مدرسة النجاح، في مديرية الحوك بمحافظة الحديدة، بعدد من القذائف، فقتلت ثمانية تلاميذ وأصابت آخرين بجروح، أثناء وجودهم في ساحة المدرسة، وهذه مجرد حالة لضرب المثل فقط، إذ إن مدارس التعليم في الحديدة تعد الأكثر عرضة للهجمات والأكثر تضرراً في بنيتها التحتية بسبب القصف المتكرر بالصواريخ وذخائر البازوكا.

إن العصابة الحوثية جنت على التعليم جناية كبيرة، حيث أصبح الطلاب والتلاميذ موضوعاً للتوظيف في مجال الحرب، وذلك من خلال تجنيد التلاميذ وإرسالهم للقتال في جبهات النزاعات المسلحة، والمعروف أن العصابة الحوثية اعتمدت اعتماداً أساسياً على تجنيد الصغار، وهذا أمر قد لحظته منظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة اليونيسيف، فضلاً عن عدد غير قليل من المنظمات الدولية الأخرى، ومنظمات عربية ومحلية مستقلة- غير حكومية.

في العام 2019 وحده، وصل عدد الأطفال الذين جندتهم العصابة الحوثية إلى  259 طفلاً، وهذا العدد المؤكد بأدلة تم إرسالهم إلى جبهات القتال ليكونوا مشاركين في الأعمال الحربية، وضحايا لها أيضا، ووصل الأمر بالعصابة الحوثية إلى تجنيد أطفال صغار للغاية أغرتهم بقليل من المال بينما كانوا ما يزالون في السنة الأولى من التعليم في مدارس موجودة في الأحياء التي يسكنها فقراء في صنعاء وذمار وحجة، وقد أسرت قوات الحكومة الشرعية في الجوف ومأرب بعض هؤلاء المقاتلين الصغار الذين لا تزيد أعمارهم عن عشر سنوات، وقامت بإعادة تأهيلهم لفترة معينة ثم أطلقت سراحهم بعد التعهد بعدم العودة للقتال.

لقد قطعت العصابة الحوثية الرواتب عن المعلمين والمعلمات، هؤلاء الذين حرموا من رواتبهم الشهرية اضطروا إلى ترك المدارس، ولم تجد المطالبات المتكررة بصرف رواتب المعلمين آذاناً صاغية من جانب العصابة الحوثية، بل لقد ووجهت تلك المطالب برد عجيب من قبل وزير في حكومة صنعاء، وهو القيادي الحوثي حسن زيد وزير الشباب والرياضة حينها، فقد قال: إن الوقت الآن وقت الجبهات وليس وقت التعليم، وقال إن الطلاب والمعلمين يجب أن يرسلوا إلى جبهات القتال.

لقد كان النظام التعليمي السائد في اليمن منذ العام 1990، نتاج مجموعة من المركبات الثقافية العربية والإسلامية والوطنية، والإنسانية، التي جعلت النظام التعليمي يحفظ هوية اليمنيين الدينية والثقافية، ويحمي انتماءهم للأمة العربية، ويحدد علاقاتهم مع الآخرين، وخلال هذه الفترة نشأ جيل مسلح بالمعارف والخبرات، محصن من الاختراقات الدخيلة بشتى صنوفها، فصار هذا المكسب عرضة للاهتزاز بسبب المركبات الثقافية التي أدخلتها العصابة الحوثية إلى التعليم والإعلام ومنابر التأثير الأخرى كالمساجد وما تسمى بالدورات الثقافية التي تدرس فيها ملازم حسين بدر الدين الحوثي..