مأرب هي معركة النَفَس الأخير للطرفين.. النفس الطويل الذي أسمى به الكهنوت معركته الشاملة تعني مأرب، وإذا نجح بأخذ مأرب فقد حسم معركته الطويلة، وإذا نجحنا بالدفاع عن مأرب وكسر غروره بباب سبأ فصنعاء تصبح باليد.. سوف ننجح بسهولة في استعادة ما فقدناه.. والوصول إلى قلب صنعاء.
في المحافظات كلها ينشط المشايخ الذين رفضوا الحشد معه.. منذ الطلقة الأولى.. كانوا يدركون أن الكهنوت منتهِ لا محالة.. لكنهم الآن _منهم خوفاً ومنهم التحاقاً بركب الكهف_ يحشدون إلى مأرب كيلا تفوتهم الفرصة في الغد الذي سيكون بعد مأرب لدولة الإيراني!
هكذا يرون.
بكل مكسب يحققه الكهنوت تتمهد له كل المدن الخاضعة أكثر، فالإنسان براجماتي بالطبع، والتطبع، والقبيلة نفعية وإلم تكن كذلك فالقبيلة تهادن الطغاة صوناً للكرامة، ولو ربع كرامتهم، من طغيان الكهنوت بعد أن تنتهي الحرب وتحسم المعركة لصالحه.
لم يفكر أحد من قبل أن الكهنوت سيكسب وطفق الشيوخ يحايدون في منازلهم إلا من شذ عن درب القيبلة بنفسه يأخذه الحوثي إلى جبهاته.
ولكن هنا وبهذه اللحظات تتحدد مواقفهم، لن تنجو إلم تكن معي، فيحاول الرجل أن يلحق بركب المسيرة بما ينجيه ذات يوم، في مستقبل هو يراه أنه أمسى للكهف!.
غصباً عن أنفسهم وإرادتهم يحشدون معه، عن جمهوريتهم، عن قناعتهم، غصبا عن كل شيء، فلا أمل بالقادمين من خلف السراب وهم السراب.
الشرعية التي أمنيتها الآن الدفاع عن مأرب فقط لن تأتي البتة.
الكهنوت الذي يهدد الآن حضرموت، حضرموت تستنفر، لن يتهاون معنا لو تخلينا عنه.. هكذا يفكرون.. وهو تفكير القاصر ومن يحب الحياة.
ولكن متى كانت الجيوش قاصرة فلا نلوم القبائل.. والمشايخ.. والواقعين تحت يده، في المدن الخاضعة.. أنا لا ألومهم.. البتة.
كلما سقطت مدينة أو جبهة بيد الكهنوت لا أخشى على شعب تلك المدن، يحتاج إلى سنوات كي يطبعن معه، بل أخشى على مدن الشمال، اللاتي يذبن أكثر في كأسه، يصبحن عجينته، وخبزه، ولقد صمدن والله، صمد الجميع لسبع سنوات.
منذ الطلقة الأولى، يدفعهم الأمل، والنية الجادة، وفشل الكهنوت في سومهم خوفاً من هبات تزامن الجبهات، ولكن كل هبة فشلت، والجبهات متوقفة ولا أمل، فيذوبون، ولن نلحق كي ننقذهم، لن!
فكروا بالشمال، وأنتم تبحثون عن الجنوب، بالشمال القبلي، بالقبائل المتقزفة، بالعقل الحربي، بالكثرة، بكل السلاح، فكروا لو أن المجتمع الشمالي وقف بجانب الكهنوت الإيراني، تالله لن يقف بوجههم أحد.
الشمال ميت، لم يستطع الكهنوت أن يستنهضه، بكامله، بل يأخذ من حواشيه، يمثل الشمال دور المريض الذي لا يريد الذهاب إلى المدرسة لإقناع والده بالبقاء في البيت.. نجح بكذبته لسبع سنوات.. لن تنطلي الكذبة لثامن مرة.. عند سبعة ينتهي العد.
ولو سقطت مأرب بيد الكهنوت سيستيقظ الشمال برضاه أو بعصا الكهنوت.
ولذا يجب ألا تسقط.
يجب أن تكون سردية العودة واستنقاذ الشمال كله.. يجب إلا تسقط.. لا يجب أن تسقط.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك