مصافي النهب في حضرموت.. كيف استنزفت الثروة النفطية لعقود خارج الدولة؟

السياسية - منذ 5 ساعات
حضرموت، نيوزيمن، خاص:

كشفت القوات الجنوبية خلال الأيام الماضية عن مصافٍ ومعامل نفطية غير شرعية جديدة في وادي وصحراء حضرموت، تُستخدم لنهب الثروة النفطية وتحويلها إلى اقتصاد موازٍ خارج إطار مؤسسات الدولة، تقف خلفه جماعات ومتنفذون عملوا لسنوات تحت غطاء عسكري وأمني.

لم يكن اكتشاف المصافي والمعامل النفطية مجرد ضبط منشآت بدائية لتهريب النفط، بل كشف عن بنية اقتصاد ظل متجذّرة، عملت لعقود خارج مؤسسات الدولة، واستنزفت واحدة من أغنى المحافظات اليمنية بالثروات الطبيعية.

وقالت القوات الجنوبية، التي تواصل انتشارها وتأمينها لمناطق وادي وصحراء حضرموت، إنها عثرت على معامل ومصافٍ بدائية يتم من خلالها سرقة النفط الخام وتكريره بطرق غير قانونية، تمهيدًا لبيعه في السوق السوداء.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الجنوبية، المقدم محمد النقيب، في تصريح خاص لـ(إرم نيوز)، أنه "بالتزامن مع نزول فريق تحقيق من النيابة العامة إلى منطقة القائم، تمكنت قواتنا المسلحة من اكتشاف معامل جديدة لنهب النفط في وادي حضرموت"، مؤكدًا أن التحقيقات جارية لكشف ملابسات هذه الجرائم وتحديد المتورطين فيها.

وأكد النقيب أن عمليات نهب الثروة النفطية تقف وراءها شخصيات نافذة في المنطقة، مشيرًا إلى أن هذه الأنشطة غير المشروعة ستُحال إلى القضاء، في إطار الجهود الرامية إلى حماية المال العام وتقديم المتورطين للعدالة.

وكانت القوات الجنوبية قد كشفت في وقت سابق عن معامل جديدة لتكرير النفط بطرق بدائية وغير قانونية، مرتبطة بأنابيب ممتدة من الحقول النفطية إلى مزارع خاصة في وادي حضرموت، تعود لمتنفذين كانوا يعملون تحت حماية قوات المنطقة العسكرية الأولى، التي جرى إخراجها من الوادي ضمن عملية «المستقبل الواعد».

وأظهر توثيق مصوّر بثته القوات حجم العبث بالثروة النفطية ونهب المال العام، في مشهد يعكس شبكة منظمة لإدارة النفط المنهوب، بعيدًا عن أي أطر قانونية أو رقابة مؤسسية.

تحقيقات مستمرة

وبتنفيذ توجيهات النائب العام للجمهورية القاضي قاهر مصطفى علي، نزل فريق من النيابة العامة إلى مواقع الاكتشاف للتحقيق في هذه الجرائم. وقال رئيس نيابة الأموال العامة بمحافظة حضرموت، القاضي عبدالله أحمد اليزيدي، إن لجنة من النيابة باشرت النزول الميداني إلى منطقة الخشعة للتحقيق في وقائع الفساد، ومحاسبة كل من يثبت تورطه بالعبث بالمال العام.

وأكد مصدر مسؤول في النيابة العامة أن النائب العام وجّه بفتح تحقيق شامل وعاجل في ما تم اكتشافه من محطات تكرير نفط عشوائية وغير مرخصة، مشددًا على أن التحقيقات ستشمل القائمين على التشغيل، والممولين، والداعمين، والمتسترين، وأي موظف عام أو جهة يثبت تورطها أو تقصيرها أو تسهيلها لهذه الأنشطة غير القانونية.

وأوضح المصدر أن هذه الأنشطة تُعد جرائم جسيمة لما تسببه من أضرار مباشرة على الاقتصاد الوطني، وتهديد خطير للسلامة العامة والبيئة وصحة المواطنين، كونها تُنفذ خارج أي معايير فنية أو بيئية أو أمنية.

وأشار المتحدث باسم القوات المسلحة الجنوبية إلى أن عدد المنشآت المضبوطة حتى الآن بلغ خمس منشآت في مناطق زراعية من حضرموت، مرجحًا وجود منصات سرية أخرى لم يُكشف عنها بعد، خصوصًا في المناطق الصحراوية الشاسعة، لافتًا إلى أن هذه الشبكات تمثل امتدادًا لمنظومة نهب استمرت لأكثر من ثلاثة عقود.

وأكد النقيب أن استمرار شبكات المصالح المتداخلة في وادي حضرموت أتاح للجماعات المتطرفة الاستفادة من اقتصاد الظل النفطي كمصدر تمويل غير مباشر، مشددًا على أن العمليات العسكرية والأمنية الجارية تهدف إلى قطع شرايين التهريب وتجفيف الموارد التي تُستخدم في دعم جماعة الحوثي والتنظيمات المتطرفة.

ويُعد ضبط هذه المعامل ووقف أنشطتها غير المشروعة خطوة محورية على طريق استعادة موارد حضرموت، وإعادة توجيه ثرواتها لخدمة السكان المحليين، بما يسهم في تعزيز الاستقرار ودفع عجلة التنمية في واحدة من أغنى محافظات اليمن بالثروات الطبيعية.

نهب منظم

الوقائع التي أعلنت عنها القوات الجنوبية، مدعومة بتحقيقات النيابة العامة، تشير إلى وجود شبكات منظّمة لنهب النفط الخام، تمتد أنابيبها من الحقول النفطية إلى مزارع ومواقع خاصة تعود لشخصيات نافذة، عملت تحت غطاء عسكري وأمني وفّرته قوات المنطقة العسكرية الأولى خلال سنوات سيطرتها على وادي حضرموت.

تصريحات المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الجنوبية، المقدم محمد النقيب، حول ضبط خمس منشآت حتى الآن، ترجّح أن ما تم كشفه لا يمثل سوى جزء من منظومة أكبر، خصوصًا في ظل الطبيعة الجغرافية الصحراوية الواسعة للمحافظة، والتي سهّلت إخفاء هذه الأنشطة بعيدًا عن الرقابة.

ويرى محللون اقتصاديون أن اكتشاف هذه المصافي العشوائية يمثل نموذجًا صارخًا لـالاقتصاد الموازي، الذي لا يقتصر ضرره على خسارة الدولة لمواردها، بل يتجاوز ذلك إلى ضرب أسس التنمية، وحرمان السكان المحليين من عائدات كان من الممكن أن تُوجَّه لتحسين الخدمات والبنية التحتية. وتشير تقارير دولية إلى أن الاقتصادات غير الرسمية في مناطق النزاع غالبًا ما تتحول إلى مصادر تمويل للنزاعات والجماعات المسلحة، وتغذّي دوامات الفساد وعدم الاستقرار.

ومن الناحية الأمنية لا تقف خطورة هذه الأنشطة عند حدود نهب المال العام، إذ أكد متحدث القوات الجنوبية المقدم محمد النقيب أن اقتصاد الظل النفطي أتاح للجماعات المتطرفة الاستفادة غير المباشرة من عائدات التهريب، ما يجعل هذه المعامل جزءًا من شبكة تهديد أوسع تطال الأمن المحلي والإقليمي. ومن هنا، تكتسب العمليات العسكرية والأمنية الجارية في وادي وصحراء حضرموت بعدًا استراتيجيًا يتجاوز الضبط الميداني إلى تجفيف منابع التمويل.

ويمثّل تحرّك النيابة العامة، بتوجيهات النائب العام القاضي قاهر مصطفى، مؤشرًا مهمًا على انتقال الملف من المعالجة الأمنية إلى المساءلة القانونية، خصوصًا مع التأكيد على توسيع التحقيقات لتشمل الممولين والمتسترين وأي جهات رسمية يثبت تورطها أو تقصيرها. وهو مسار يُعد حاسمًا إذا ما أُريد تفكيك هذه الشبكات بشكل جذري، لا الاكتفاء بإغلاق منشآت معزولة.

تكشف هذه التطورات حجم الاختلال التاريخي الذي عانت منه حضرموت، حيث ظلت ثرواتها النفطية لعقود خارج معادلات التنمية والاستقرار، تُدار عبر شبكات نفوذ لا علاقة لها بمصالح السكان. ومع ضبط هذه المعامل، تبرز فرصة حقيقية لإعادة إعادة توجيه موارد النفط نحو الاقتصاد الرسمي، وربطها بمشاريع تنموية وخدمية تعيد الاعتبار للمحافظة وسكانها.