كشف تقرير رصدي لمركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام عن اختلالات جوهرية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن ومسارات تدميرية تتجه بالبلاد إلى تمزيق قطع خطوات طويلة، مؤكداً بالأدلة المبدأية والأسس المتفق عليها والمعلومات والمسارات المؤكدة أنه لا يحمل من اسمه شيئاً.
ويقوم التقرير الذي أعدته وحدة الرصد والتحليل في المركز تحت عنوان (مؤتمر الحوار.. الطريق الواضح إلى تقسيم اليمن) بتقديم رصد وتحليل للمؤتمر منذ انطلاقه والأسس التي جاء عليها، بأكثر من 15 صفحة، ويصل إلى أن اختيار نوعية المكونات المشاركة ونسب تمثيلها واختراع قوى غير متكتلة، بطرق تخالف أبسط القواعد القانونية والدستورية، وذلك للوصول إلى نتيجة محددة سلفاً.
ومن خلال الرؤى التي قدمتها القوى السياسية توصل التقرير إلى أن التوجه الذي قد أصبح واضحاً سير مؤتمر الحوار إليه، وهو ما أجمعتآ عليه الأغلبية المشاركة، من إلغاء للوحدة اليمنية واقتراح شكل جديد للدولة.. ويشير التقرير إلى أن لا توجد أية ضمانات ببناء دولة جديدة مركبة بعد إلغاء هذه الدولة.
وذكر التقرير أن ما نسبته 01% فقط، من ممثلي القوى قد اختارت بشكل واضح الحفاظ على الوحدة اليمنية من بين جميع القوى وهو الرؤية التي قدمها حزب اتحاد الرشاد السلفي، ثم تأتي رؤية التجمع اليمني للإصلاح لشكل الدولة غير محددة موقفه النهائي.. حيث وضع الأخير مفردة "لامركزية"، ولم يبين إن كانت لامركزية إدارية (حكم محلي كامل الصلاحيات) أم لامركزية سياسية تندرج ضمنها الفدرالية.
وتحدث التقرير عن بنية مؤتمر الحوار، وكيف أن القوى الشرعية التي تنطلق وفق أبسط الأسس القانونية، تمثل ما نسبته 56%، بينما أعطيت بقية النسب لقوى خارجة على القانون وحاملة للسلاح، وأخرى مكونات (حصان طروادة) لفئات لا تمثل تنظيمات سياسية حقيقية.
وفي البداية فصل التقرير بين المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية الموضوع من قبل الجانب الدولي، مؤكدة أن بنود المبادرة الخليجية قد أنجزت نقل السلطة، لكن الآلية التنفيذية هي من جاء بالحوار بمقترح أمريكي، نقل الصراع بين سلطة ومعارضة وثورة ونظام إلى مسميات جنوب وشمال.
وأكد التقرير، من وجهة نظر أكاديمية وعلمية صرفة، أن الفدرالية لا يمكن أن تحافظ على الوحدة اليمنية، لأنها دولة مركبة تتكون من عدة دول ينظمها قانون دستوري، أما الدولة الموحدة فلا تكون إلا دولة مؤسسة واحدة (بسيطة). ويعتبر مسمى الأقاليم "خدعة".
وخلص التقرير إلى أن جميع التفاصيل والقضايا في مؤتمر الحوار، لا تعني شيئاً يغير من مساره أو يستحق الاهتمام، وذلك باستثناء ما يسمى "شكل الدولة" والذي يناقش في الحقيقة الوحدة اليمنية. لأن أي شكل آخر للدولة لا يعني دولة موحدة على الإطلاق، بل دولة مركبة.
وفيما يلي أبرز الملاحظات والخلاصات للتقرير:
-آ يتجه ما يسمى "مؤتمر الحوار الوطني الشامل" إلى تقسيم اليمن بطريقة واضحة بعد مضي أكثر من نصف فترة انعقاده، و أغلب المشاركين في هذا المؤتمر قد سلموا بهذا التقسيم، بعضهم يتخذه كمنفذ هروب اضطراري، وآخرون كخطوة نحو الانفصال.
- إن الأخطاء المفصلية في الحوار، بنيوية، تبدأ من انطلاقه كمقترح يمدد مرحلة التسوية، ثم نوع المكونات المشاركة فيه، ثم نسبة وتوجه كل مكون. بحيث قد تم اختيارها وتقسيمها تحت مسميات مختلفة ومتفقة تؤدي في النهاية إلى أغلبية واضحة تتجه باليمن إلى نتيجة محددة سلفاً.
- إن مؤتمر الحوار الوطني ليس من بنود المبادرة الخليجية بصيغتها العربية التي وضعها الأشقاء، بل جاء ضمن فقرة أدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية، فيما سمى "الآلية التنفيذية".
- المبادرة الخليجية تم تنفيذ أبرز ما فيها بنقل السلطة وتشكيل الحكومة، لكن الآلية التي وضعها الغربيون هي من نقلت متاهة المرحلة الانتقالية من خلافات سلطة ومعارضة، إلى خلافات شمال وجنوب وقضايا تفصيلية. ومؤتمر الحوار بشكله الحالي يخالف النقطة الأولى في المبادرة الخليجية، لأنها اشترطت على أن يؤدي أي حل إلى الحفاظ على الوحدة اليمنية. وهو الأمر الذي خالفه المتحاورون وراحوا يتفاوضون على الوحدة.
- إن الاتجاه إلى نظام فيدرالي اتحادي هو الغالب، ولكنه لا يحافظ على الوحدة بأي حال من الأحوال، لأن الدولة الموحدة ليست إلا دولة بسيطة واحدة، أما الدولة الفدرالية أو الاتحادية، فهي دولة مركبة، تتكون من عدة دول محلية، يسمونها خدعةً "أقاليم" لتصغير حقائق التقسيم، ولكنها وبحسب مبادئ النظم السياسية تعتبر دولاً، لامتلاكها أغلب خصائص الدولة، من حكومة وبرلمان وتشريعات محلية وهوية. وفي الوضع اليمني لا يوجد دولة مركزية قوية يمكن أن تحافظ على هذه الدول.
- إن القوى الوطنية التي لا تطالب بالانفصال ولا بالتقسيم إلى أشكال أخرى أكثر تعقيداً تمثل أقلية داخل الحوار، ولا تدافع عن الوحدة بصراحة وبقاؤها بذات الموقف شهادة زور تمنح الشرعية، أمام المكونات الانفصالية والفيدرالية التي أصبحت أغلبية ساحقة داخل الحوار فإنها أكثر شجاعة بطرحها ويبدو أنها مدعومة من دوائر خارجية لديها أهداف مشبوهة في اليمن.
- إنه ليس حواراً، فالانقسامات تزيد وتتخذ أشكالاً متقدمة نحو دوائر داخلية والأزمات تزيد تبعاً لذلك. اتسعت هوة الخلافات بين القوى والمكونات السياسية فيما بينها وداخل كل مكون على حدة، وذلك ما اتضح خلال الفترة الماضية من انقسامات في المشترك فيما بينه، والمؤتمرآ فيما بينه وغيرهما، وقد أوكلت إليه مهام تشريعية بدون أي سقف، تتعدى صلاحيات المؤسسات الدستورية الوطنية.
آ
- إنه ليس وطنياً، فهو مقترح أمريكي بحت كما ورد على لسان سفير واشنطن في صنعاء جيرالد فايرستاين في تصريح سابق مارس الماضي، كما أنه ينعقد بالمنطقة الأمنية التي تتواجد فيها قوات أمريكية، ويتم بإشراف ومراقبة من الأمم المتحدة. فمن أين جاءت صفة الوطنية؟.
- إنه ليس شاملاً، والقوى الممثلة لا تمثل الشعب بأي حال من أحوال، بل هو تصميم احترافي مزق شمل القوى الوطنية وحولها أقليات واستخدم مسميات عامة للإيهام بوجودها كقوى تحاور وتقرر مستقبل اليمن.
- إنه ليس ديمقراطياً، بل بدعة جديدة بديلة عن الديمقراطية تصادر حق الشعب في تقرير مصيره عبر مؤسسات دستورية، وتحيل الدولة إلى قوى متصارعة وكينونات ودويلات جهوية تتفق جميعاً في أنها لا تملك قرارها وإنما تحتكم إلى سند خارجي، ولقد تم مصادرة الحق الأول للشعب، وهو حق تقرير مصيره، ودعوة القوى المتناقضة وتقدير نسبها في التمثيل.. بكيفية تعد انتهاكاً صارخاً جميع الأسس والمبادئ الدستورية الديمقراطية في العالم.
- إنه ليس ثورياً، بل هو الإطار العملي لمصادرة ثورة شعب إذا ما كان حلمه بحياة كريمة وعدالة ومساواة، فقد انتقلت الثورة إلى منتجع تشرف عليه دوائر استخباراتية دولية وتوجهه حسب ما تهوى. وأبرز قوى الثورة المتمثلة في التجمع اليمني في الإصلاح، لا تمثل إلا أقل من 10%، ما يعني تهميش أطراف الثورة بعد استغلالها لصالح صعود الانفصال في الجنوب والإمامة الحوثية في الشمال.آ
- إنه ليس مدنياً، فقد احتوى قوى تحمل السلاح.
- إن المبادرة الخليجية قد جنبت اليمن الحرب الأهلية بين النظام السابق وقوى التغيير، لكن التوجهات التي يتجه إليها الحوار قد تدخل اليمن في مستنقع مظلم وحروب على مستويات القرى والمدن وتحت رايات جهوية وعنصرية ومذهبية وأنفاق مجهولة المصير.
- إن الخلافات بين المكونات اليمنية أمر واقع ولم يبقِ لليمنيين إلا شبه الدولة الموجودة التي تجمعهم تحت راية واحدة وقانون معروف، سواءً كان نافذاً أم يجب السعي لتنفيذه، إلا أنه آخر ما يجعل اليمن بلداً أمام العالم، وآخر ما يجمع هذا كله. وعند التوجه إلى تفكيك هذه الدولة، فإنه ليس هناك أية ضمانة لنجاح التجارب والأشكال الجديدة ولا اقتصاد يمكن الاعتماد عليه في بناء دولة مركبة تضم أكثر من دولة محلية تحت مسمى أقاليم أو غيرها. وفي اللحظة التي يقرر فيها المؤتمرون في فندق موفمبيك ذبح الوحدة اليمنية وإقامة دويلات وأقاليم، أو ما يسمونه جهلاً وعمداً "شكل جديد للوحدة"، يكون قد انتهى عقد الثاني والعشرين من مايو1990، وتتحول أبرز القوى إلى قادة دويلات وحكومات تتصارع على الجسد المذبوح والمغدور به على هامش محاولة شعبية باهتة، ولا يوجد أي ضمانة بنجاح أي من الدويلات ، اختلاف أهداف القائمين على الحوار والانفصال صورة واضحة للبناء الذي سيتجه كلٌ طرفٍ إلى إقامته بعد عقر الوطن الكبير.
إن الحلول في ظل اليمن الموجود والمؤسسة القائمة المتمثلة في الجمهورية اليمنية أمكن ألف مرة من إعادة إنشاء دولتين صارتا بحكم الماضي الذي لا يعود، أو بناء دويلات ومؤسسات حكم عديدة بمسمى أقاليم، لا تزال صورتها المستقرة في أخيلة الأنانية على رؤوس أصحاب المشاريع الصغيرة.