مع تحيات الـ(UN): أموال المانحين السعوديين والإماراتيين انتهت في جيوب الحوثيين

السياسية - Tuesday 01 January 2019 الساعة 03:50 pm
الحديدة/المخا، نيوزيمن، أمين الوائلي:

في وجه حملات التعرية والملاحقة الإعلامية التي كشفت فساداً كبيراً وتواطؤاً أممياً مع الانقلابيين وسوء إدارة وتصريف وتصرف بالإغاثات الإنسانية، اضطرت الأمم المتحدة إلى الانحناء قليلاً لعاصفة استياء عارم أمام المانحين، واعترفت -إلى حد ما- بأخطاء وتجاوزات كبيرة.

لكنها، أيضاً، تصر على العمل مع اللصوص، وتستحدث برامج وظيفية ومسميات إنفاق متحذلقة للإيحاء بأن شيئاً ما سوف يتغير. 
الأمم المتحدة تستخدم الأزمة الإنسانية أسوأ استخدام في اليمن.

* الإيقاع بالمانحين: فلسفة أممية!

في اليوم الأخير من العام المنصرف، الاثنين 31 ديسمبر 2018، إعلانان لافتان ومثيران لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة: الأول، بتخصيص مبلغ كبير (يستقطبه من المانحين) تحت عنوان تنفيذ مشاريع إغاثية وإنسانية في اليمن للعام الجديد. والثاني، اعتراف متأخر بسرقة الحوثيين لمشاريع وإغاثات العام المنتهي.

قدمت الأمم المتحدة في اليمن تجربة فريدة من نوعها:

استقطاب مئات الملايين من الدولارات منحاً ومساعدات لبرامجها الإغاثية في اليمن، وكانت دائماً محل نقد ومثار شكوك وشكاوى بالتواطؤ وسوء الإدارة وتقاسم امتيازات البرامج المقولبة مع المتمردين الحوثيين وسلطات الأمر الواقع في المحافظات التي تنشط فيها المنظمات الدولية وبرامجها تحت سيطرة الانقلابيين.

ومع نهاية العام ذهبت إلى استقطاب هبات ومساعدات المانحين مع اعتراف أول بسوء إدارة واستخدام البرامج والمشاريع المنفذة خلال الأشهر الماضية، واتهام أول وصريح للحوثيين بسرقة واستغلال برامج الإغاثة ونهبها.

بمعنى آخر كان المانحون يغيثون، عبر الأمم المتحدة وبرامجها، الانقلابيين الحوثيين ويضاعفون من مكاسبهم وفسادهم.

بينما الأزمة الإنسانية التي أزعجت باسمها العالم، وملأت الإعلام تحذيرات وبكائيات، ضاعفتها برامج إغاثية فاسدة آلت في المحصلة إلى جيوب الانقلابيين، مع إصرار عجيب وغريب على إبقاء مكاتبها في قبضة الحوثيين، رافضة الانتقال إلى العاصمة المؤقتة عدن، رغم مطالبات حكومية متكررة ووعود بتقديم كافة التسهيلات.

برنامج الغذاء العالمي يطرح الآن تصورات مبهرجة تلون المسميات وتعيد تدويرها للإيحاء بجديد وبتجديد.. فهو، مثلاً، يتحدث عن "خطة برنامج الغذاء العالمي للعام المقبل على ضوء الخطة الاستراتيجية التي أقرها مجلسه التنفيذي في اجتماعه الأخير بروما ورصد ثلاثة مليارات وثلاثمائة مليون دولار لتنفيذ مشاريع إغاثية وإنسانية متنوعة في اليمن".

* استحداث مزيد من الهراء

كلام كبير ومصطلحات مستهلكة لكنها توحي بالخطارة والجدية.

ثم يعلن البرنامج "عن تأسيس وحدة خاصة لمشاريع السلامة وسُبل العيش والتعافي، في مكتبه بمدينة عدن، جنوبي اليمن، وتعيين موظفين دوليين بهذه الوحدة.".

ومن هذه الآليات التي تلتف على ضرورة العمل من عدن، باستحداث وحدة وظيفية خاصة للإقامة بعدن وتستقطب موظفين دوليين يستهلكون مزيداً من المرتبات والنفقات خصماً من ودائع وهبات المانحين لإغاثة اليمنيين.

مدير مكتب عدن، محمد علي، يشرح "أن البرنامج يعمل حالياً على إعداد الدراسات الخاصة بعدد من المشاريع التي سيتم تنفيذها في مجالات التعافي المبكر ومشاريع دعم سُبل العيش."

ما الذي يعنيه هذا الـ"تعافي المبكر" أو "سبل العيش"؟
هذا ليس مهماً، المهم أن المانحين لديهم مبررات إنفاق من قبل المنظمات الدولية لإحراق الكثير من المخصصات في سلة المهملات اللا إنسانية.

* العمل مع اللصوص واستراتيجية الحذلقة

وفي اليوم نفسه، أكد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أن جماعة الحوثي تقوم بسرقة شحنات المساعدات الغذائية المقدمة من المنظمات الدولية. وقال: "الحوثيون يسرقون من أفواه الجائعين ويحولون شحنات الطعام. لدينا أدلة على استيلاء الحوثيين على شحنات الإغاثة".

وقال البرنامج "الحوثيون يتلاعبون بقوائم المتلقين لمعونات الإغاثة".

وطالب برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة بإنهاء فوري لتحويل مسار الإغاثة الغذائية الإنسانية في اليمن بعد الكشف عن أدلة على سرقة مليشيا الحوثيين للمعونات الإغاثية في العاصمة صنعاء وأجزاء أخرى من البلاد التي تقع تحت سيطرتهم.

البرنامج الذي يتبع الأمم المتحدة هو من يطالب الآن بتحويل مسار الإغاثة الإنسانية؟ لكن ممن يطلب ذلك، وهو الأمم المتحدة نفسها أو أهم أذرعها، وهي رفضت دائماً تحويل المسار للإفلات من فساد وسرقة ونهب الحوثيين وتواطؤ مدراء البرامج والمكاتب الأممية؟

ويخلص تحقيق أجراه ونشره البرنامج في اليوم الأخير من العام، إلى إدانة منظمات وآليات عمل بالفساد والهدر وحرمان المستحقين وبيع الإغاثات وتفيد الحوثيين، ثم هو يطالب الحوثيين بالتوقف عن هكذا مخالفات (..) ويرفع على استحياء تحذيراً من إمكانية أن يتوقف عن العمل معهم!!

هم يؤشرون إلى اللصوص ولكنهم يعدونهم بالعمل معهم كالعادة، لكن عليهم أن يحذروا علنية الفساد هذه المرة.

المطلوب من كل هذا هو إقناع المانحين الذين يحتجون ويشترطون الشفافية وعدم ذهاب أموالهم إلى جيوب الانقلابيين والنهابة، بالقول بأن البرنامج يعتزم الحرص هذه المرة، ادفعوا وضاعفوا المنح المالية إذاً.

جزء كبير من المنح والميزانيات يذهب لوظائف ثانوية ومرتبات وسفريات وإقامة وعلاقات عامة ومصارف لوجيستية لا آخر لها. وما يتبقى، وهو قليل، يتاجر به كما يتاجر بجوع وأزمة ومجاعة ومعاناة اليمنيين.

تجار وسماسرة الفقر والإفقار عالميون وخبراء جداً.

* من أجواء التحقيق الفاضح

وكشف تحقيق استقصائي قام به برنامج الأغذية العالمي للمستفيدين المسجلين، أن العديد من الناس في العاصمة صنعاء لم يتلقوا الحصص الغذائية التي يحق لهم الحصول عليها. وفي مناطق أخرى، تم حرمان الجياع من الحصص الكاملة.

وبحسب التحقيق الذي نشره البرنامج في موقعه الرسمي، تم الكشف عن سوء تسليم الإعانات الغذائية في استعراض لبرنامج الأغذية أجري خلال الأشهر الأخيرة. وكان الدافع وراء ذلك عدد متزايد من التقارير عن بيع الإعانات الغذائية في السوق المفتوحة في العاصمة صنعاء.

وكشف التحقيق عن الاحتيال الذي ترتكبه منظمة شريكة محلية واحدة على الأقل يكلفها البرنامج بالتعامل مع المساعدات الغذائية وتوزيعها. وترتبط المنظمة المحلية بوزارة التربية والتعليم التي يسيطر عليها الحوثيون في العاصمة اليمنية.

وخلال التحقيقات التي قاموا بها، رصد محققو البرنامج الغذائي كميات من الصور الفوتوغرافية وغيرها من الأدلة على قيام الشاحنات بإزالة المنتجات الغذائية بشكل غير مشروع من مراكز توزيع الأغذية المعينة. كما وجدوا أن اختيار المستفيدين يتم استغلاله من قبل المسؤولين المحليين وأن سجلات توزيع الغذاء يتم تزويرها. وقد تم اكتشاف أن بعض الإغاثة الغذائية يتم منحها للأشخاص الذين لا يحق لهم ذلك ويتم بيع بعضها لتحقيق مكاسب في أسواق العاصمة اليمنية.

وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيسلي: "إن هذا السلوك يرقى إلى سرقة الطعام من أفواه الجياع، في الوقت الذي يموت فيه الأطفال في اليمن، لأنهم لا يملكون ما يكفي من الطعام (...) يجب أن يتوقف هذا السلوك الإجرامي على الفور".

ويقول بيسلي: "أطلب من السلطات الحوثية في صنعاء اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء تحويل المساعدات الغذائية وضمان وصولها إلى الأشخاص الذين يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة".

وأضاف: "ما لم يحدث هذا، لن يكون لدينا خيار سوى التوقف عن العمل مع أولئك الذين كانوا متآمرين لحرمان أعداد كبيرة من الأشخاص الضعفاء من الطعام الذي يعتمدون عليه. وفي الوقت نفسه، نواصل تحقيقاتنا ومعالجة أوجه القصور التي أدت إلى إساءة استخدام هذه المساعدات".