معجزات الحوثي العشر

السياسية - Saturday 12 January 2019 الساعة 11:50 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

المعجزة الأولى: الضغط لأمريكا

رفع الحوثيون شعارهم بالموت لأمريكا في وقت لم تكن فيه أية جماعة قادرة على استفزاز واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وفجأة ظهر ناصر الوحيشي زعيم تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب وسكرتير أسامة بن لادن، سابقاً، وهو في طهران التي سلمته لليمن، وأصبح أشهر قيادي مطلوب لأمريكا، والذي لم يقم أحد بدراسة علاقته بطهران وماذا صنع فيها وخطط معها بين 2001 و2003.

عندما أشهر الحوثيون تمردهم المسلح منتصف 2004، وخلال 6 سنوات دارت فيها 6 حروب مع الجيش، كانت واشنطن ولندن في كل جولة تضغطان على صنعاء لوقف الحرب، وعادة ما كان صالح يوقف الحرب على الجماعة وهي في أضعف موقف، ثم تعيد تماسكها ومعاقبة رجال القبائل الذين ساندوا الجيش ضدها، وصنعاء صامتة، ذلك أن واشنطن حذرتها من استخدام سلاح مكافحة الإرهاب الذي دعمت به القوات الخاصة اليمنية ضد الجماعة.

المعجزة الثانية: الوساطة القطرية والجزيرة

عندما أوشكت صنعاء على القضاء على الحوثيين في الحرب الرابعة، تدخلت قطر بكل نفوذها وأموالها لإنقاذهم، حيث أعلنت وساطة بين الحكومة والجماعة، انتهت باتفاقية الدوحة 2008، وأصبح صالح يسميها لاحقاً باتفاقية (الدوخة)، فالدوحة كانت فعلاً تريد تدويخ الرياض بزرع الحوثيين على حدودها الجنوبية، كجزء من تنسيقها مع طهران الذي ظهر لاحقاً بتمويل قطر جماعات مسلحة عراقية موالية لطهران، في فضيحة صيد الصقور التي كلفت الدوحة مليار دولار.

حولت اتفاقية الدوحة الحوثيين إلى جماعة أقلية يحق لها تأسيس الجامعات والمعاهد في مناطقها لتدريس أفكارها ومعتقداتها خارج إطار الدولة، وعرضت قطر نصف مليار دولار لإعادة إعمار صعدة، وارتفعت وتيرة ضغط الجماعات الإرهابية بهروب 26 عنصراً من قياداتها من الأمن السياسي، وضغط واشنطن على صنعاء لمحاربة التنظيم.

هكذا كانت الجزيرة تصعد من تغطية حوادث إرهابية مضخمة لإشغال صنعاء عن صعدة، وكان حلفاء الدوحة من المعارضة يعارضون سياسة الحكومة مع الحوثيين ويعاملونها كلعبة يمارسها صالح لتشريع القمع، فتوسعت الجماعة وحصلت على أموال هائلة لإغراء أتباعها، وتمويل حروبها عبر تاجر السلاح الأشهر فارس مناع الذي لم تكن صدفة أن يعلن عن تدمير مكتبه في أبراج منهاتن بسبب تفجيرات 11 سبتمبر.

المعجزة الثالثة: عمائم طهران والضاحية

خلال كل الحروب التي خاضتها الحكومة مع الحوثيين كان حزب الله يوفر لهم الخبرة والتدريب، وطهران تقوم بتغذية عقول يمنية كثيرة وتحولها من الزيدية إلى الإثنى عشرية، وقبلها كانت قد أرسلت عشرات الخبراء للجماعة لهذه المهمة تحت غطاء اللاجئين العراقيين، دون قيام الأمن اليمني بواجبه ضدهم.

مع أحداث 2011 في اليمن، عقدت طهران أكثر من 20 ندوة وورشة نقاشية عبر مراكزها البحثية لدراسة أحداث الربيع العربي وتوظيفها، وهو ما تم عبر استقطاب مئات الناشطين والإعلاميين وإشهار قناتي المسيرة والساحات، وعدة مواقع إلكترونية وصحف محلية، سوقت للحوثيين كجماعة سياسية، واستقبلهم اللقاء المشترك وحزب الإصلاح بالأحضان بإيعاز من قطر، ودخل الحوثيون الحوار الوطني بهذه الإخراجات السينمائية المجزأة بكامل عدتهم وعتادهم الحربي.

المعجزة الرابعة: حياد هادي ووساطاته

مثل حياد هادي الذي أعلنه باعتبار حروب الحوثيين التوسعية من صعدة باتجاه عمران تدور بين جماعتين مسلحتين، أي الحوثي والإصلاح، وذلك بعد زيارة وزير دفاعه لواشنطن.

مارس وزير دفاع هادي عملية تضليل غير مسبوقة لإسقاط المعسكرات دون تدخل وزارة الدفاع، وقام هادي بزيارة عمران منتصف 2014 معلناً أنها عادت إلى حضن الدولة، عندما أسقط الحوثيون المدينة واللواء 310، ومقتل القشيبي.

صمت الإقليم والعالم أمام حرب الحوثي التوسعية، بالتزامن مع انعقاد جلسات مؤتمر الحوار الوطني، وتم منع شيوخ قبائل كبار من مساندة مناهضي الحوثي يومها، وقامت لجنة وساطة هادي بإقناع السلفيين بالهجرة من منطقة دماج التي تم تسليمها للحوثيين وليس للدولة في أغرب سلوك دولة في العصر الحديث، فتم تعبيد الطريق إلى صنعاء مطلع 2014.

المعجزة الخامسة: وثيقة بن عمر، وشبح صالح

مع تقدم الحوثيين إلى صنعاء قام بن عمر بزيارات متكررة إلى صعدة كمبعوث أممي، وتم تعليق بعثة دول مجلس التعاون الخليجي إلى اليمن التي كان مفترضاً مشاركتها في جهود بن عمر.

مساء 21 سبتمبر 2014 وبالتزامن مع سقوط الفرقة الأولى مدرع وتبة التلفزيون في يد الحوثيين، على اعتبار أنها المستهدف من دخولهم صنعاء كرمز لهيمنة ودور علي محسن، مع أنها سقطت ولم تعد موجودة هيكلياً في الجيش بل تحولت إلى قيادة للمنطقة العسكرية السادسة يومها، أعلن بن عمر عن وثيقة السلم والشراكة التي صاغها مع الحوثيين بصعدة وفرضت على الأحزاب السياسية كأمر واقع والحوثيون يرفعون شعارهم من قلب صنعاء.

استمر ابن عمر بترتيب حوار الأحزاب السياسية، كأن شيئاً لم يكن، وعين هادي صالح الصماد مستشاراً له، وزكريا الشامي نائباً لرئيس الأركان الذي أكمل دور محمد ناصر أحمد في تدمير الجيش وتسليمه للحوثي.

قال هادي إن صنعاء لم ولن تسقط، لكنه سقط بدوره في قبضة الحوثيين مطلع العام 2015، وذهب بن عمر للأحزاب اليمنية للتفاوض على ترتيب يمن ما بعد هادي، وأعلنت الجماعة إعلانها الدستوري، وذهبت لمناورات عسكرية على حدود السعودية، وعقدت صفقة الرحلات الجوية مع طهران، ودخل اليمن النفق بل المستنقع المظلم والرخو والقاتل حتى اللحظة.

في ظل هذا كان تحالف المؤتمر مع الحوثيين، قد أدى لاستمرار صالح كشبح يلصق به خصومه كل خطايا الحوثيين، ويعتبرون الجماعة أداة في يده، وذلك ضغط باتجاه استمرار تحالفه مع الحوثيين أيضاً، وكانت تلك الملابسات خدمة مجانية وخطيرة وبالغة الكلفة للجماعة.

المعجزة السادسة: الأداء الفاشل للشرعية والتحالف

سقطت صنعاء في يد جماعة انقلابية مسلحة، وهرب هادي بطريقة غامضة من صنعاء، وطلب تدخل التحالف العربي، وبدأت معركة مزدوجة في اليمن، أعلنت أيضاً من واشنطن التي رفضت تسليم معهد دراسات الأسلحة بالسويد أرقام وأنواع الأسلحة التي صادرتها البحرية الأمريكية وهي في طريقها لليمن، حتى لا يستدل بها على طهران كمصدر شككت واشنطن كثيراً في تورطها المباشر في اليمن، حتى بعد خطابات واحتفال رموزها العسكرية بسقوط صنعاء في يد الحوثيين.

رغم كل خطايا الحوثي وجماعته وجرائمهم، اتصف أداء الشرعية بالفساد والفشل وصراع الأجنحة والتيارات، الأمر الذي دفع البعض للمقارنة بين الطرفين مسقطاً من حساباته شرعية هادي وانقلابية الحوثيين، لعدم تسجيل هادي وحكومته أي موقف مشرف وناجح على الأرض.

كما أن التحالف بقيادة السعودية عقدوا جلسات حوار وصفقات معلنة وغير معلنة مع الحوثيين من ظهران الجنوب تباعاً، وهذا جعلهم أكثر ثقة بأنهم الطرف الذي سيتم التعامل معه مستقبلاً دون حلفائه من المؤتمر يومها، ودون خصومه من الشرعية.

المعجزة السابعة: قصف القاعة الكبرى

بقصف التحالف للقاعة الكبرى في أكتوبر 2016، أزاح من طريق الحوثيين قيادات كبيرة كان يمكن أن تمارس دوراً فعالاً ضد تغلغل الجماعة في مفاصل الدولة من داخل صنعاء نفسها، ويمكن القول إن ذلك القصف سلم ما تبقى من قوات الحرس الجمهوري لعبدالخالق الحوثي على طبق من ذهب، وسلم أمانة العاصمة للمداني وعبدالكريم الحوثي أيضاً.

المعجزة الثامنة: اغتيال صالح

بتخاذل التحالف والشرعية بشكل واضح أمام انتفاضة 2 ديسمبر 2017، وعدم استغلالها بأي شكل، واعتبار هادي تلك المعركة لا تخصه، حيث تعامل مع صالح كخصم قبل الحوثيين، وكان يخشى أن يعود إلى المعادلة السياسية فيختل الميزان وتفلت كفته من يد هادي كلياً، كان الحوثيون قد استكملوا حلقة الاستحواذ الكامل على مناطق شمال اليمن.

المعجزة التاسعة: جمود الجبهات العسكرية

تجميد الجبهات العسكرية وعدم تحقيق تقدم حاسم وواضح بعد خروج الحوثيين من المحافظات الجنوبية، أظهر الحوثيين كقوة لا تقهر بسهولة، رغم أن هزيمتهم لم تكن صعبة في كل مرة يقرر فيها التحالف تحريك جغرافيا القتال للأمام، وبحكم فارق القوة، لكن حسابات التحالف تجاه القوى المنضوية في صف هادي وأولهم الإصلاح، إضافة إلى حسابات الإصلاح ذاته جعلت الحوثي يستعرض صموده بكل فخر، رغم أنه لم يستعد متراً واحداً سقط من قبضة مقاتليه.

المعجزة العاشرة: الأمم المتحدة والحالة الإنسانية

ظهر طارق صالح والمقاومة التهامية وألوية العمالقة ليحققوا أسرع وأوسع تقدم ضد الحوثيين في الساحل الغربي، فارتفعت أصوات منظمات الأمم المتحدة تحت لافتة الوضع الإنساني، واتضح لاحقاً أن الفساد المشترك بين الحوثيين وهذه المنظمات بلغ حداً لا ينافسه فيه إلا صفقات النفط مقابل الغذاء في العراق.

هذه الأصوات تصدرتها بريطانيا بعد تعيين مارتن جريفنث (بريطاني الجنسية) مبعوثا أمميا جديدا إلى اليمن، ليقابل عبدالملك وشركاءه أكثر من أي مسؤول دولي آخر، ويشكر الجماعة علناً، ويصيغ معادلة جديدة لإنقاذها بتواطؤ قيادات شرعية، نكاية بطارق صالح.

هذه هي المعجزات الحوثية الحقيقية، التي لا يد له بها، ولا ذكاء بذله لتحقيقها، بل استخدم كأداة لزعزعة وابتزاز الإقليم والتحالف تحديداً، في ظل فشل اليمنيين بتسجيل مواقف وطنية مشرفة تجاه ما يجري، وإن تطرقوا لكل هذه التفاصيل على استحياء بين وقت وآخر.