مراسلات "النخبة التهامية" قبل 100 سنة.. هل طالب أبناء تهامة بالاستقلال؟ 

السياسية - Monday 14 January 2019 الساعة 11:09 am
الحديدة، نيوزيمن، د. عبدالودود مقشر:

(يعرض الأستاذ الدكتور عبدالودود قاسم مقشر، في نيوزيمن، محطات ومفترقات تاريخية مهمة وبارزة في تاريخ تهامة واليمن ككل. وفي هذه الحلقة، يعيد إبراز مراسلات النخبة التهامية التي تعود إلى قرن مضى).

يُثر موقف النخب السياسية والاقتصادية والدينية التهامية اليمنية كثيراً من التساؤل، لأنها وقفت موقفاً وسطاً من المستعمر البريطاني، وابتعدت ظاهرياً عن موقف المقاومة اليمنية التهامية، ولعل بحثها الدائم عن إيجاد كيان سياسي والممثل في الإقليم التهامي هو الحافز لذلك، فقامت هذه النخب بتشكيل فريق عمل ضم رجال الدين والوجهاء والتجار والإداريين، وبدؤوا مرحلة من النضال لا تقل عن المقاومة، فحرروا عشرات الرسائل والمذكرات والبلاغات وأرسلوها إلى عصبة الأمم والقوى العالمية الكبرى والدول الشقيقة، وكلها تصب في إطار أربعة اتجاهات:
1- الاتجاه الأول: المطالبة بعودة الدولة العثمانية.
2- الاتجاه الثاني: إن لم يكن، فليتم اختيار ملك عربي من الخديوية المصرية أو غيره.
3- الاتجاه الثالث: رفض أي وجود بتهامة في أي صورة كانت لكلا الطامعين بها وهما الإمام الإدريسي والإمام يحيى.
4- الاتجاه الرابع: تحقيق الحلم التهامي في إيجاد إقليم لهم يتمتع بالاستقلال التام ولا يخضع لأي قوة إلا لأبنائه.

والاتجاه الأخير هو الذي ركزت عليه كل المراسلات، يقول الدكتور عبدالعزيز قائد المسعودي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء: "إن من يستعرض ملفات مكتب التوثيق البريطاني والأرشيف الوطني الأمريكي المتعلقة بالشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية، سوف يجد سيلاً من هذه العرائض والرسائل التي تحمل توقيع أصحابها، تلتقي جميعها عند نقطة واحدة وهي رفض حكم السيد الإدريسي وللإمام يحيى وعدم استحسان الإدارة البريطانية والتوق بحرارة وشوق لأيام الدولة العثمانية"، والدولة التي طمحوا بها هي تهامة القديمة، فأهالي تهامة "يرغبون في إنشاء مملكة تضم متصرفية الحديدة بحدودها التركية التي تمتد من أبي عريش، أي المنطقة التي يسيطر عليها الإدريسي في الشمال إلى زبيد في الجنوب.. وتشمل أيضاً جبل ريمة وملحقاته وجبل برع بمدنه ونواحيه وعزلاته"، كما ذكر المؤرخ العربي المعاصر الدكتور محمد عيسى صالحيه، فهذه هي مضامين تلك الرسائل المطالبة بدولة في تهامة التاريخية. ومن أبرز هذه الرسائل ثلاث رسائل إلى عصبة الأمم وهي:

1- الرسالة الأولى:- من النخبة التهامية إلى مساعد أول للمقيم السياسي البريطاني عدن الميجر باريت.  

(بواسطة الدكتور استيل الحاكم السياسي لدولة بريطانيا العظمى بالحديدة يقدم إلى معاون أول لوالي عدن الميجر باريت.
  
في يوم الثلاثاء السابع عشر من أغسطس سنة 1920م / ثاني شهر ذي الحجة 1338هـ، شرّف معاون أول لحضرة والي عدن الميجر باريت وتواجهنا به بدائرة المحكمة السياسية بالحديدة، فأول خطاب أبداه لنا هو أنه قد صممت دولته الفخيمة على وضع عشور كمرك – جمرك – بحري في المائة اثنين إلى ثلاثة لمقابل مصارفات مأموري الملكية الإنكليزية وأن الحكومة لا تريد استفادة لنفسها من هذا العشور وقرأ حضرة المعاون (البودي) [البودي Body Laws  يقصد هي مجموعة قوانين والتشريعات والأنظمة] لمدة سبعة شهور مادة بمادة ومع كل مادة يسألنا القبول أو عدمه، وأخبر أن الحديدة ستبقى لأهلها وهم يديرون أمر حكومتها بأنفسهم، فأفهمناه بأنه لا يمكن إدارة الملك بمعرفتنا ولا يوجد بيننا رئيس حايز شروط الملك. فأجاب: فمن تريدون؟ فقلنا: حكومتنا العثمانية أو حكومة قانونية عوضها، وانفض المجلس.

فنعرض بأن الدولة البريطانية العظمى لما احتلت الحديدة أصدرت منشوراً مؤرخاً بالثاني والعشرين من ربيع الأول 1337هـ موافق شهر ديسمبر 1918م بإمضاء الكرنيل (استرنج) قوماندان القوة الانكليزية إلى جميع السادات والمشايخ والعقال والقبايل بأنه من كون نية الانكليز تحت محافظة الأتراك، فلأجل تسليم التبعة من طرف الأتراك إلى الدولة الانكليزية، نزلت الدولة الانكليزية القوة في نهاية الحديدة وأنه ليس عندها مقصد ولا تريد توسيع مملكتها في اليمن ولا مرادها إنزال القوة إلى محل آخر في اليمن لأجل أخذه، وأن عين مقصد الدولة الانكليزية هو أن تقيم بهذا المحل وتجعله مركزاً لأجل تنظيم البلد المذكور وتأمينه وما به حتى يصير القرار من جميع الدول عن قريب لمن يملكها، وأفتونا بأنه ما قصدكم أخذ بلادنا بل مرادكم تخليصنا من إساءة العثمانيين. 

ففي الحقيقة غير الثلاثة الهجوم –الهجمات- الذي وقع من العبسية على الحديدة بشهر أغسطس سنة 1919م أي شهر ذي الحجة 1337هـ ما بعد سار هجوم، لكن لم نزل نخشى –لا سمح الله– تكرار الوقوعات من طرف العبسية وغيرها من القبائل، الخوف طبعاً مقدر لدى قوماندان العسكرية وهو المسؤول عنه لأن حكومة بريطانيا لما أخرجت حكومتنا العثمانية من اليمن تركتنا بلا حكومة ولا نعلم ما الموجب لإخراجها، حيث ما قد صدر في حقها لا سابق ولا لاحق، بل إن خروج الدولة العثمانية من اليمن أوجب زيادة النفور والعداوة بين إمام صنعاء محمد يحيى حميد الدين وإمام تهامة محمد علي الإدريسي، ولم نزل الحرب بينهما متواصلة ومستمرة بتهامة وتعز وأطراف زبيد وفي نفس جبل ريمة وجبل برع وجبل صعفان الواقع بحراز والدماء تسفك في نواحي اليمن، وعلاوة على ذلك أيضاً بلغنا بأن جيش ابن السعود الواصل إلى عسير وأنه زاحف على صعدة وأنه متفق مع الإدريسي ضد إمام صنعاء وكل هذه الأخبار جعلت الخوف في قلوبنا على ديننا "كون المتحاربين مختلفي المذاهب" وصرنا بأرواحنا عرضة لضرباتهم وطمعاً لغنائمهم، فالمرجو من المقام المسئول إمعان النظر في الحال قبل اتساع الخرق، وجل استرحامنا إعادة دولتنا العثمانية إلى اليمن رجاء تسكين الفتن، فإذا ما أمكن فنرجو جعل حكومة للحديدة تكون قانونية لأن الحديدة أسكلة  اليمن الوحيدة ومحل التجارة فيه وأهلها لا قبل لهم بالقبائل والبدوان ولا توجد حكومة تناسب لجنسنا ومذهبنا سوى الحكومة العربية المصرية، وإذا ما أمكن فتكون الدولة البريطانية حكومة علينا وذلك من بعد قرار مجلس الدول ثم وكيل [ سياسي ] حكومي من القوة الانكليزية بالحديدة لمحافظتنا.

وقبول احتراماتنا اللائقة بالمقام ودمتم.  12 ذي الحجة 1338هـ / 26 أغسطس 1920م.
[الموقعون ] عن الحديدة:
- عبد القادر فقيرة
- أحمد طاهر فقيرة
- علي داود بيروه
- حمود 
- سرور باسويدان
- صالح محمد الشاذلي
- يحيى علي
- مرجان الحرازي
- طاهر رجب
- عبد الرحمن حسن ساجان
- مختار محلة اليمن حسن علي).  

المصدر راجع Records of Yemen. Vol.6. p. 519. -.

2- الرسالة الثانية: من النخبة اليمانية التهامية إلى عصبة الأمم.

(التاريخ: - 15 فبراير 1920م / 26 جماد أول 1338هـ.
عصبة الأمم – باريس 
بواسطة الوكيل السياسي البريطاني – الحديدة 

قامت القوات البريطانية باحتلال الحديدة منذ أكثر من 14 شهراً، وخلال الأربعة الأشهر الأخيرة لقينا من الوكيل السياسي البريطاني معالجات جيدة لأوضاعنا. 
غادرت في هذه الأيام إلى عدن الأكثرية من القوات الهندية فعلى هذا النحو انخفضت القوات العسكرية بالمدينة المحمية، فأصبحنا ينتابنا خشية وخوف من أن يزحف رجال القبائل ويضعون أيديهم على الحديدة ويبدؤون بسلبها، وبنفس المقدار نخاف من تسليم الحديدة للقوات الإدريسية أو حتى إمام صنعاء عن طريق العملية الدبلوماسية، فقواتهما جاهزة ومستعدة على أطراف باجل القريبة من الحديدة، ففي وقتنا الحاضر سلمنا بياننا الرسمي للوكيل السياسي البريطاني في الحديدة والمؤرخ في ديسمبر 1919م، وقد عبرنا فيه صراحة عن أفكارنا وخططنا لبلادنا، فإذا كان هذا البيان لم يصل، فنحن نطالب فوراً بإرسال هذا البيان من عدن والذي يتضمن رؤيتنا، فنحن نسعى إلى نظام حكم إسلامي لديه القدرة على فرض سلطة النظام والقانون، ونرى أن الأجدر بنا هي الحكومة العثمانية، فإذا كان هذا مستحيلا، فالحكومة المصرية ستكون هي الأولى، ومع ذلك فإن كان الاثنان معاً غير ممكنين ورفضا طلبنا، فما دام الأمر كذلك فإننا نطالب بحاكم عربي (ملك) على أن يتم اختياره لما يحمله من مؤهلات قانونية ومدّنية ويجب أن يكون انتخابه من أهل الحديدة ويلزم أيضاً أن تكون هذه الانتخابات تحت مراقبة وإشراف الحكومة البريطانية، في الوقت الراهن يجب أن تظل القوات البريطانية المتبقية في الحديدة ولا يجب تخفيضها ويظل الوكيل السياسي البريطاني الميجر ميك في منصبه إلى أن يتم البت في أمرنا والموافقة على مطالبنا وإصدار قرار بذلك.
 منتظرين ردكم 
[الموقعون ]
- عبد القادر زكري
- علي يوسف السنوسي
- سليمان باغفار
- أحمد محمد
- السيد احمد مروعي
- عبد القادر بن علي الأهدل
- طاهر رجب
- عمر سليمان مزجاجي
- راجح باحشوان.)

3- الرسالة الثالثة: من النخبة التهامية اليمانية إلى عصبة الأمم.

(بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) القصص[الآية 85].

سنظل نحن الشعب اليمني متمسكين بالشريعة المحمدية، فطبقاً لشريعتنا يجب أن لا تكون بلادنا تحت أي سلطة للاحتلال وأن تحكم عن طريق نظام حكم إسلامي.
وبالنظر إلى الحالة الراهنة يجب أن يكون هذا الحكم على اطلاع ومعرفة تامة بالشؤون الدولية وقضاياه، ويجب أن يكون قادراً ومؤهلاً لاتخاذ الترتيبات النظامية والتسويات الملائمة بين مواطني هذه القطعة من الدولة وبين الرعايا الآخرين من الأمم الأخرى، ويلزم الاحتفاظ التام بجيش قوي لحماية هذه الدولة برا وبحرا، نتيجة للحرب الكونية العامة فقد قامت حكومة بريطانيا العظمى بإنزال قواتها إلى أراضي الحديدة وقد مضى على هذا الاحتلال سنة كاملة، لقد صدمنا بهذا الإجراء ولا نستطيع إيجاد أي مبررات كامنة وراء هذا الاحتلال لبلادنا.

حتى الآن لا نعرف ما الذي توصلت إليه القوى الدولية من تسويات وصفقات نحونا، ولكن علمنا من مجموعة الأخبار الواصلة إلينا من الصحف العربية المصرية، أن جلسات عامة عقدت بين كل مندوبي القوى العظمى بباريس تحت مسمى (عصبة الأمم) ، وذلك من اجل أن تتم فيه مناقشة وتبادل الآراء لصياغة نظام مفيد وكلا من الأجناس العربية وقضايا الطوائف الأخرى.

  نحن قاطني الحديدة ومواطنيها الموقعين أدناه والمؤلفين من رجال العلم والسادة والتجار والوجهاء نطالب بسرعة البت بإحالة بيان مطالبنا المقدم للميجر ميك الوكيل السياسي للحديدة والذي رغبنا بنقل رسالة هذا البيان إلى عصبة الأمم عن طريقه، فنشكره على إيصال ذلك لعصبة الأمم.

فاسمحوا لنا أن نوضح ونبين آراءنا ووجهات نظرنا أدناه حول مجمل قضيتنا والتي تضمنتها رسالتنا في هذا الموضع وهي كما يلي:

1- الموضوع الأول: نحن لا نريد أية حكومة غير حكومتنا العثمانية. 
2- الموضوع الثاني: إذا القوى العظمى لم توافق على رجائنا، فمطلبنا الأول اختيار أحد أفراد الأسرة الخديوية بمصر ملكاً لرعايتنا، لكونه مسلماً وعربياً هذا سبب، والسبب الآخر هو أن الحكومة المصرية في الماضي قد سيطرت على اليمن، فهم يملكون المعرفة الكاملة بشريعتنا وأعرافنا السابقة، وبإقراره -الحاكم- لمجموعة من القرارات سيحصل الإنعاش للحياة الاجتماعية والاقتصادية في دولتنا يتبع ذلك تحقيق الأمن والأمان والمحافظة عليه، ويجب على هذا الحاكم التصدي بشكل قاطع وتام لمطامع ولطموحات أية دولة في محاولة الاعتداء على دولتنا طبقاً للقوانين والأنظمة الحضارية والإنسانية، ويقوم بكل ما يُعنى بحمايتنا وكذلك يبحث عن كل ما يساعد على تقدم وتطوير دولتنا، وأيضاً لا يتم التعيين لأصحاب المناصب العليا والرفيعة إلا بعد أن تنطبق عليه كل الشروط المقدمة بنظر الحاكم.

3- الموضوع الثالث: ومع ذلك إذا رفضت كل تلك المطالب المقدمة منّا، لا سمح الله، فسوف نضطر إلى انتخاب ملك عربي منّا تحت موافقة جميع الأطراف وتوافق القوى الدولية العظمى عليه، ومن جهة أخرى نقبل بأن ترسل حكومة بريطانيا العظمى وسيطاً لها والذي عليه أن يضع بلادنا تحت بند الانتداب، ولن نقبل بأي تدخل أجنبي لأي دولة أخرى.

4- الموضوع الرابع: إلى أن يتم إفادتنا بنتيجة هذا البيان، ندعو الرءوف الرحيم للإبقاء على القوات البريطانية الموجودة الآن معنا، وغاية ذلك حمايتنا براً وبحراً لمتابعة الأعمال التجارية كما هي الآن ولتمتد ولتتوسع إلى أبعد قدر ممكن.   
[الموقعون]
- تاجر:- أحمد طاهر زكري
- تاجر:- عبد القادر بن أحمد زكري
- رئيس مكتب بلدية الحديدة:- الشراعي
- تاجر:- علي داود
- تاجر:- مرجان بن سليمان هنومي
- عضو مجلس المبعوثين:- طاهر يوسف رجب
- تاجر:- عمر سليمان مزجاجي
- تاجر:- مرجان سالم
- تاجر:- صالح بن محمد شاذلي.) 

يراجع كتاب سجلات اليمن والذي يضم أغلب التقارير والمراسلات اليمنية في الارشيف البريطاني والترجمة قمت بها 
Records of Yemen. Vol.6. pp. 478-479