آلاف الضحايا وسلسلة ثابتة من الهزائم والخسائر.. حولوها شهداء اجترحوا المعجزات.. الحوثي كمجرد دعاية

السياسية - Tuesday 18 June 2019 الساعة 11:59 am
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

(1)

لماذا نجح الحوثيون إلى أبعد مدى في استخدام الدعاية والتضليل لتزوير الواقع والوقائع التي قفز معها من عصابة مطاردة في جبال مران إلى صاحب السلطة في عاصمة اليمنيين المستلبة، مروراً بكل الأحداث بينهما؟

بالمقابل، لماذا فشلت الشرعية وحزب الإصلاح وقبلهما الإعلام الرسمي بصنعاء في كشف حقيقة جماعة دينية مسلحة انقلبت على السلطة ورهنت اليمن لإرادة طهران ومران؟

يعتمد الحوثيون على الدعاية بشكل أساسي، ويخصصون لها وقتاً ومالاً وجهداً ومستشارين من طهران وحزب الله، وبدعم وسائل إعلام إقليمية كقناة الجزيرة، وأطلقوا بمساعدة هيئة القنوات الإسلامية الإيرانية قناتي المسيرة والساحات من بيروت، وكان الإعلام أول ضحاياهم وأهدافهم عند دخول صنعاء، بإيقاف صحف وحجب مواقع، وإغلاق قنوات، واعتقال صحفيين، وتأسيس البدائل التي تعمل لمصلحتهم ومنها قرابة 22 إذاعة محلية بصنعاء وحدها.

خلال الفترة بين 2011 و2014 وخلال تفرغ المؤتمر وأحزاب المشترك للنيل من بعضهما، نظم الحوثيون وطهران وحزب الله عشرات الرحلات لعشرات الصحفيين والناشطين، إلى بيروت ودمشق وطهران، واستقطبوا عشرات منهم، عبر اعتماد مرتبات وإطلاق صحف ومواقع، وحتى تأسيس أحزب، ولم ينتبه أحد من خصومهم لهذا الاستقطاب وتوظيفه وتأثيره الذي اتضح اليوم أكثر من أي وقت مضى.

من 2011 أيضاً بدأ الحوثيون بإطلاق توصيفات ومصطلحات خاصة بهم وعمموها في إعلامهم، ليجروا معاركهم مع الآخرين إلى مربعات هم من يرسمها، وهم من يضع أجندتها بتنسيق متكامل بين السياسي والمقاتل والإعلامي، وأسسوا كياناً جديداً بديلاً لنقابة الصحفيين عندما فشلوا في تطويعها، فتأسس اتحاد الصحفيين اليمنيين برئاسة عبدالله صبري، ورغم سيطرتهم على كل وسائل الإعلام الرسمية شكلوا هيئة خاصة بالإعلام الحربي موازية لوزارة الإعلام التي يسيطرون عليها، وعقدوا دورات تدريبية حول الحرب النفسية والدعاية والإعلام الحربي.

(2)

ظهرت نتائج هذه الجهود والخطط لاحقاً عندما بدأت الحرب الأوسع مع اليمنيين منذ سيطرتهم على عمران وتسمية اليمنيين غير الموالين لهم بالدواعش، ثم بعد سيطرتهم المسلحة على صنعاء، بعد معركة دعاية شاملة حولتهم من انقلابيين إلى منقذين ومعارضين للجرعة السعرية التي نفذها هادي وحكومته سيئة الصيت.

وفقاً لقاعدة وضعها معهد صربي لتدريب كوادر إعلامية من ناشطي (الربيع العربي)، يجب أن تنشر شعارك في كل مكان، ويجب أن تركز إعلامك على أخطاء خصمك وتضع أهدافك في الظل، وأن تغطي على جرائمك بنشر جرائم أخرى لخصومك، وإن لم تجد، فعليك خلقها، لأن القاعدة الذهبية للسيطرة هي سقوط ضحايا وهدر دماء من صفك، وإن لم يقتلهم خصمك قم أنت بذلك وألصق التهمة بخصومك، وهذا ما طبقه الحوثيون حرفياً.

حوَّل الحوثيون سلفيي دماج إلى إرهابيين للسيطرة على دماج وفتح الطريق نحو صنعاء، وهكذا نشرت آلتهم الدعائية والإعلامية.

في حاشد سلطت آلة الدعاية الحوثية الضوء على أسرة آل الأحمر وكأنَّ سقوط حاشد سقوط لتلك الأسرة وحدها، وهكذا تم تعريف المعركة وأهدافها.

في عمران ادعى الحوثيون أنهم مجرد متظاهرين مدنيين، ثم طالبوا بإسقاط المحافظ، ثم معسكر 310، وهكذا تحول كل يمني يقف ضدهم إلى (داعشي)، على لسان عبدالملك الحوثي، وكل فريقه الدعائي، وتحول الأمر كأن تغيير محافظ يقتضي إسقاط مؤسسات الدولة ومعسكرات الجيش، على اعتبار أن لهم حق المطالبة بتغيير محافظ.

بعد فراغهم من عمران والسيطرة عليها، أصبحت القضية هي السيطرة على صنعاء، فهل قال الحوثيون إنهم يريدون السيطرة عليها علناً؟

لم يقولوا ذلك أبداً، وإنما وضعوا شروطاً تعجيزية على السلطة والحكومة، وشركاء الحوار، ظاهرها قضايا تهم الناس كالجرعة، وملحقاتها تغيير الحكومة ومخرجات الحوار الوطني، وعندما تم الاستعداد لذلك، وضعوا مع ابن عمر المبعوث الأممي الأول إلى اليمن، وثيقة أرغموا الجميع على التوقيع عليها بعد أن استكملوا إسقاط صنعاء في 21 سبتمبر 2014، الذي تحول لاحقاً إلى (ثورة) في خطاب الجماعة.

أفشلوا تشكيل حكومة، وعنما تشكلت بشروطهم، أفشلوا عملها وسيطروا على مكاتب الوزراء ووضعوهم تحت الإقامة الجبرية مع رئيس الحكومة ثم رئيس الجمهورية، وسيطروا على الرئاسة ومنزل هادي، واتهم زعيمهم هادي بدعم القاعدة مرة واحدة!!

قاموا لاحقاً باستفزاز الرياض بمناورة على حدودها، وقدموا أنفسهم كمحاربين للقاعدة وداعش حتى يكسبوا الرأي العام ودعم الغرب، وظلت أمريكا تنسق معهم في ضرباتها على القاعدة، بينما إعلام الجماعة حول كل معارضيهم إلى قاعدة من تعز إلى عدن، ومن البيضاء إلى مأرب.

(3)

كل ذلك سبقه وصاحبه وتلاه حملات دعاية منظمة للترويج لمزاعم الجماعة، وعندما تطور الأمر إلى تدخل إقليمي، أصبحت الجماعة الانقلابية في دعايتها وإعلامها مقاومة لـ(العدوان والمرتزقة)، في ظل غياب وفشل إعلام الشرعية وحتى إعلام التحالف الذي بدلاً من تركيزه على انقلاب الجماعة على الدستور اليمني، ورئاسة الدولة، انجر وراء ادعاءات وخطابات الحوثيين باعتبارهم جماعة دينية طائفية وهذا صحيح، لكن الخلاف الأساسي هو انقلابها على اليمنيين بقوة السلاح، أما مذهبها فمسألة أخرى وميدان آخر.

العجيب أن كل هزائم وخسائر الجماعة تم توظيفها وتحويلها إلى تكتيكات ورؤى استراتيجية وحكمة الحوثي، وهم منذ منتصف 2015 يخسرون باستمرار، ولم يكسبوا شبراً واحداً ويثبتوا فيه.

معركة الحديدة التي أوقفتها بريطانيا والأمم المتحدة بالتواطؤ مع الجماعة، حولها جهاز الدعاية الحوثية إلى انتصار لها، وغطوا على تآمر الأمم المتحدة معهم ولمصلحتهم بشن حملات تشويه واتهامات للمبعوث الأممي.

حولوا آلاف الضحايا من أبناء الشعب الذين قُتلوا في صفهم دون هدف ولا غاية، وبعد كل تلك الهزائم والخسائر على الأرض، إلى شهداء اجترحوا المعجزات.

أمام كل هزيمة مؤلمة يخترع جهاز الدعاية قضية يشغل بها اليمنيين، من سقطرى إلى المهرة إلى الحديدة، إلى مأرب، وهم يقتلون اليمنيين وينهبونهم ويعذبونهم ويرهبونهم ولا أثر لكل وسائل إعلام الشرعية وحلفائها، وحتى التقارير الدولية لا يثيرها الإعلام الدولي ويستشهد بها إلا عندما تتعلق بالتحالف والسعودية لأنه بذلك يبتز دولة غنية يهمه التشهير بها، أما عصابة مسلحة كالحوثيين فهي أداة له لا أكثر.