محطات من ذاكرة زيارة ناصر لليمن: الغضب من مشايخ "طوق صنعاء" والعريقي الذي أحنى له الزعيم رأسه والفتى الحائز على منحة الفنون!
السياسية - Wednesday 24 July 2019 الساعة 09:56 pm
بينما وقف الرئيس عبدالله السلال يحيي الجموع القبلية الوافدة من صنعاء والمناطق المجاورة بصحبة الزعيم جمال عبدالناصر، وكانت المجاميع تصيح "بالروح بالدم نفديك يا يمن"، همس الزعيم جمال في أذن السلال: ما فيش خوف يا عبدالله على الجمهورية في ظل هذا الكم المناصر للثورة.
فقاطعه السلال لحظة، وصاح بأعلى صوته للجموع "بالروح بالدم نفديك يا إمام"، ورددت معه القبائل الوافدة إلى قرب المنصة وبصوت واحد: "بالروح بالدم نفديك يا إمام"، فامتعض ناصر فوراً لسماع ذلك.
ويروي أحد الضباط المرافقين للرئيس جمال عبدالناصر في مذكراته أن الرئيس عبدالله السلال نظمت مراسيمه لقاءً خاصاً للزعيمين مع مشايخ قبائل "طوق صنعاء" حاليا، وبينما انتهى السلال من التعريف بالمشايخ، في ظل لهفة عارمة من قبل الزعيم جمال لملاقاة أقيال حمير وسبأ، أصل العروبة ومنبع التاريخ.. تم الإذن لأحد المشايخ لتمثيل مشايخ الطوق بكلمة.
فقام الشيخ وقالها بالحرف الواحد أمام الجميع: "الإمام البدر بيدي زلط خيرات لأتباعه من القبائل، واحنا مع الجمهورية عاتدوا لنا زلط مثل البدر يدي لأصحابه، ولا عا نرجع لنا معاهم".
فالتفت ناصر للسلال مقاطعاً: "أنت جبت لي مشايخ اليمن ولا شحاتين اليمن يا عبدالله"؟!
ذكر اللواء سعد الدين الشاذلي قائد القوات المصرية في اليمن في مذكراته أن أبشع ما عانوه أن القبائل كانت معاهم جمهورية في النهار وملكية في الليل..
وأشار إلى أن إحدى كتائبه كانت تمشي في منطقة جبلية ذات يوم وإذا بالرصاص تقتل الأفراد الواحد تلو الآخر، ولم يعرفوا مصدر الرصاص، وبعد مرور وقت طويل وقد قتل منهم ما يزيد عن عشرين، اكتشف استطلاع الكتيبة أن الرصاص تنطلق من داخل جثة جمل ميت في جبل مطل على الطريق الذي مرت منه الكتيبة، وبداخله قبيلي يجيد القنص مزود بالرصاص، مستغرب كيف ظل هذا الرجل لوقت طويل داخل جثة الجمل رغم الرائحة النتنة للجثة.
يدون شهود عيان شجاعة القوات المصرية أثناء قتالها جيش الأئمة في اليمن، أن الجنود المصريين كانوا يقاتلون الملكيين دون سواتر أو الاختفاء وراء جدر أو خنادق، كما يفعل الطرف الآخر، لمعرفتهم أولا بمستوى الخبرة الضعيفة للملكيين في القتال، وكذا رداءة وقدم السلاح الملكي للأئمة ومناصريهم، ولم يابه الجيش المصري لحجم الخسائر البشرية الذي كان يتعرض له أثناء القتال.
غير أن الكارثة كانت في الدعم المباشر من بريطانيا ولعبها دور الوسيط لتدخل إسرائيل بمد الأئمة بالسلاح عسكريا، وهي إسرائيل ذاتها التي يردد الأئمة الجدد الموت لها في شعارهم اليوم.. حتى إن سلاح الجو الإسرائيلي تدخل لقصف الجمهوريين وإنزال الاسلحة للملكيين في بعض المناطق، وفقاً لما ذكرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وهو ما يفسر أن تدخل بريطانيا لدعم الأئمة الجدد اليوم، امتداد لتعاون تاريخي بينهم ولم يكن وليد الساعة.
ومع كل التكالب والدعم البريطاني الإسرائيلي للأئمة، بما في ذلك دعم المملكة الأردنية الهاشمية ودول أخرى مجاورة لإسناد الأئمة ضد الجمهوريين وجيش ناصر، إلا أن عجلة التاريخ انتصرت ولم تعد عجلتها إلى الوراء مطلقا..
كانت من أجمل ذكريات ناصر أثناء زيارته لليمن، وفقا لضباط مكتبه، هي زيارته محافظة تعز، المنطقة التي كانت نقطة العبور من الجنوب إلى الشمال، وكانت تعج حينها بأحرار الجنوب ضد الاستعمار، وهي المنطقة ذاتها التي سبق شبابها كل مناطق الشمال وبعض مناطق الجنوب إلى التعليم بفعل ارتباطهم بعدن وقربها من تعز.
وبينما كان الزعيم ناصر يسلم على الأعيان والمشايخ وكبار الشخصيات بصحبة السلال، داهمه فتى يحمل صورة رسمها، ليتفاجأ جمال أن الفتى رسم صورته، فوجه ناصر للفور مكتبه لاعتماد منحة بمعهد الفنون لذلك الفتى التعزي.
فدرس الطالب وتخرج وأبدع لنعرفه لاحقاً بمدرسة الفن الفنان عبدالجبار نعمان.
ومن ذاكرة زيارة ناصر لتعز قام رجل مسن يدعى العريقي بشق الصفوف ولم يأبه للحراسة أو لازدحام المحتشدين، حتى وصل إلى الزعيم جمال وقبل رأسه.
عاد جمال عبدالناصر مصر وأسمى أحد الشوارع بمصر بشارع تعز، وظلت عزيمته تملأ الجبال لإكمال دور التحرير في اليمن، وهو ما حصل، إذ ظل الجيش المصري يقاتل الملكيين لسنوات رغم ما تسبب ذلك لمصر من أتعاب عسكرية واقتصادية وكان للجيش المصري دوره التاريخي في انتصار الثورة اليمنية في ظل قيادة الزعيم ناصر.