المقاهي والقهوة في بلاد الشام والعراق
السياسية - Sunday 02 February 2020 الساعة 09:31 am
بعد انتقال القهوة إلى الحجاز انتقلت عبر الصوفية والحجاج والتجار والرحالة إلى بلاد الشام، وقد ذكر محمد الارناؤوط في كتابه (التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي) أن المؤرخ الدمشقي ابن طولون تـ 953هـ/1545م أورد "أول معلومة عن شرب القهوة في دمشق بمناسبة زيارة قاضي مكة وشيخ الحرم ابن الضياء توفي 942هـ/ 1534م لدمشق، وإقامته فيها فترة من الزمن".
وتابع الارناؤوط: "والأهم من هذا حديث ابن طولون عن الشيخ علي بن محمد بن عراق نفسه الذي جاء دمشق ايضاً في سنة 942هـ/ 1539م... ويمدنا ابن طولون بمعطيات مهمة حديثة عن عالم آخر من الحجاز ألا وهو الشيخ علي بن محمد الشامي فقد كان هذا الشيخ من علماء الحجاز وهب إلى بلاد الروم (الاناضول) ثم عاد أخيراً إلى دمشق سنة 947هـ/ 1540م، وهنا يذكر ابن طولون أنه قد أشهر شرب القهوة بدمشق فاقتدى به الناس وكثرت يومئذ حوانيتها، وكما يتضح من هذا النص فإن حوانيت القهوة كما سُميت المقاهي لأول مرة، قد انتشرت في دمشق منذ 947هـ/ 1540م".
انتشرت المقاهي بكثرة وخاصة في عهد الولاة العثمانيين الذين امتلكوا المقاهي أو بيوت القهوة واوقفوا بعضها في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري / النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، وكانت هذه المقاهي تشابه مقاهي القاهرة من حيث مساحتها وادواتها للتسلية والترفيه والالعاب والموسيقى والادب وواصلة المقاهي تمددها إلى العراق الاناضول واسطنبول.
ظهرت القهوة في العراق في فترة مقاربة لظهورها في بلاد الشام، فقد انتقلت إليها من بلاد الشام والحجاز، وتحدث عنها الرحالة الهولندي ليونهارت راوولف الذي وصل إلى العراق في 982هـ / 1574م وهو وقت قريب من ظهور وانتشار القهوة في بلاد الشام والعراق، ففي رحلته إلى العراق تحدث عن القهوة والمقاهي وانتشارهما بالعراق رغم انه قد سبق وزار بلاد الشام لكنه لم يذكر القهوة في تلك البلاد، وهذا يدل أن القهوة قد اجتاحت العراق واصبح مشروبها اليومي من دون اعتراض ومقاومة واجهة انتشار القهوة في هذه البلاد كما يذكر النص التاريخي التالي فقال راوولف: "ومن بين الأشربة التي يتعاطونها في هذه البلاد، شراب حسن جداً، يسمونه قهوة أسود اللون كالجير تماماً، وهو مفيد جداً للمرض ولا سيما أمراض المعدة، والقوم يتناولون هذا الشراب في باكر الصباح وفي أماكن مفتوحة أمام كل الناس دون أدنى خوف أو اعتبار، وهم يصبونه في أقداح صينية شفة واحدة بين آونة وأخرى، وتدار عليهم هذه الاقداح حين يجلسون وهم يضعون في هذا الماء ثمرة يدعونها البن، هي في حجمها وشكلها ولونها تشبه ثمرة التوت ولها قشرتان رقيقتان تحيطان بها، وقد أنبأوني عنها بأنهم يجلبونها من الهند... وهذا الشراب كثير الشيوع جدّا لدى القوم ويوجد عدد كبير يتعاطون بيعه مثلما يبيع الآخرون التوت في الاسواق وهم يعدونه من المواد الغالية مثلما نعد نحن الخمر...".