تهنئة الغنوشي للسراج تضع إخوان تونس في مأزق النفوذ التركي

العالم - Wednesday 20 May 2020 الساعة 08:36 pm
نيوزيمن، العربية:

خلفت رسالة تهنئة وجهها رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة - الفرع المحلي لتنظيم الإخوان- راشد الغنوشي إلى رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج بعد سيطرة قواته المدعومة من تركيا وقطر على قاعدة الوطية الجوية، استياء واسعا في تونس.

واعتبرت رسالة تحدّ لرئيس البلاد قيس سعيد الذي يدفع باتجاه الحياد في الأزمة الليبية وتعدّ على صلاحياته، ومحاولة لتوريط البلاد في اصطفاف وراء المحور التركي - القطري وإغراقها في مستنقع الإسلام السياسي.

وقال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في بلاغ مساء الثلاثاء، إن رئيسه فايز السراج تلقى اتصالاً هاتفيّا من رئيس البرلمان التونسي، تناول مستجدات الوضع في ليبيا، مضيفا أن "الغنوشي قدم تهانيه للسراج باستعادة حكومة الوفاق الوطني لقاعدة الوطية الاستراتيجية".

واستفزت تلك الخطوة التونسيين، خاصة أن رئاسة البرلمان أخفت "الحقيقة" واكتفت بالقول إن الغنوشي شدّد خلال اتصاله بالسراج على أنه "لا حل عسكريا للصراع في ليبيا ومن الضروري العودة إلى المسار السياسي"، دون الإشارة إلى رسالة التهنئة بـ"الانتصار" الذي حققته قواته بعد استعادة السيطرة على قاعدة الوطية.

تناقض مع موقف الدولة

وتعليقا على ذلك قال الصحافي التونسي مختار كمون، إن اختلاف محتوى البيانين الصادرين عن حكومة الوفاق الليبية ورئاسة البرلمان التونسي، "ضاع بينهما الموقف الرسمي التونسي الذي عبر عنه رئيس الدولة ووزير الخارجية في أكثر من مرة، وأظهر اصطفافا تونسيا مع أحد أطراف الصراع الليبي في تناقض تام مع الموقف الرسمي للدولة التونسية".

وأشار كمون إلى أن استمرار الغنوشي في لعب أدوار خارجية "فيه تجاوز لصلاحياته وخرق للدستور الذي كلف رئيس الجمهورية بصفة حصرية بالسياسة الخارجية للدولة"، لافتا إلى أن تحرك الغنوشي تحت مبرر "الدبلوماسية البرلمانية" فيه "تجاوز للسلطة وضرب للأعراف وللنواميس الدبلوماسية المتعارف عليها" ، باعتبار أن النظام الداخلي للبرلمان يتحدث عن دبلوماسية برلمانية في حدود تشبيك العلاقات مع برلمانات دول أخرى فقط، وهو ما التزم به واحترمه رئيس البرلمان السابق محمد الناصر.

يعمق الأزمة

ودعا في تدوينة له، نواب البرلمان إلى مساءلة رئيسهم راشد الغنوشي وإلزامه باحترام الدستور والكف عن هذه الممارسات التي زادت من تعميق الأزمة بين رئاسة الجمهورية والمجلس التشريعي.

من جهته خيّر الناشط السياسي والإعلامي برهان بسيّس، الغنوشي بين رئاسة حزب النهضة أو رئاسة البرلمان، قائلا "باسم حركة النهضة يمكن للسيد راشد الغنوشي أن يفعل ما يشاء ولكن باسم البرلمان التونسي عليه أن يكون متحفظا".
وتابع قائلاً "البرلمان متنوّع لا يحق للغنوشي أن يتكلم باسمه في موقف خلافي"، لافتا إلى أن الخطوة التي قام بها تجاه ليبيا تمثل "تدخلا سافرا في صلاحيات رئيس الجمهورية المخوّل له وحده التعبير عن المواقف الدبلوماسية التونسية تجاه القضايا الخارجية".

خطر على السيادة

أما النائبة السابقة بالبرلمان فاطمة المسدي، فقد أكدت أن "الغنوشي أصبح خطرا على سيادة الدولة"، ووصفت ما قام به "بخيانة الدولة"، بعدما حول مركز السلطة إلى البرلمان وأصبح يتحكم في سياسة الدولة، في تجاوز صارخ لصلاحيات رئيس الدولة المسؤول الأول عن السياسة الخارجية ولناخبيه الذين وضعوا ثقتهم فيه للدفاع عن سيادة البلاد ومصالحها الخارجية.

وتثير المواقف غير المنسجمة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان في علاقة بالملف الليبي، الجدل في تونس، حيث يدافع الرئيس قيس سعيد عن حياد الدبلوماسية التونسية وعدم الانجرار وراء لعبة المحاور والاصطفافات، بينما يتحرك راشد الغنوشي من أجل إقحام البلاد في هذا المستنقع.

توتر بين سعيد والغنوشي

وفي هذا السياق، أوضح المحلّل السياسي عبد الرحمن زغلامي، أن تباين وجهات النظر بين الرئيس قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي مما يحدث في ليبيا، انعكس على العلاقة بينهما، حيث لم يعد خافيا على أحد مظاهر التوتر والبرودة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، خاصة مع استمرار الغنوشي في التعدي على صلاحيات قيس سعيد ولعب أدوار خارجية، من خلال الاتصال بالرؤساء والشخصيات السياسية التابعة لتنظيم الإخوان، على غرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، الإخواني خالد المشري، وكذلك رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج.

وأشار زغلامي لـ"العربية"، إلى أن قيس سعيد يتبع سياسة النأي بالنفس والوقوف على مسافة واحدة من أطراف النزاع الليبي ولا يريد أن يحسب على أحد الأطراف، بينما يعبر الغنوشي ويدافع عن المشروع الإخواني الذي تقوده تركيا في ليبيا وفي المنطقة، ويريد الزج بالبلاد وراء هذه الأجندة من أجل مصالح حزبية تتعارض مع مصلحة الدولة، متوقعا أن تعمّق التهنئة التي أرسلها الغنوشي لحكومة الوفاق باسم البرلمان التونسي، من الأزمة بينهما.