إسقاط الطائرة "الأوكرانية".. تسجيل صوتي يفضح تورط قيادات عليا بإيران

العالم - Saturday 04 July 2020 الساعة 08:09 pm
نيوزيمن، العربية، تقرير:

فضح تسجيل صوتي، تعمد السلطات الإيرانية العليا إبقاء المجال الجوي مفتوحًا للتغطية على خطة إيرانية لضرب قواعد عسكرية أميركية في العراق، فضلا عن الاستمرار بالرحلات الجوية المدنية والتجارية بالتحليق من وإلى طهران بالتزامن مع حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية، بغرض التمويه.

ونشرت قناة "سي بي سي نيوز" الكندية الخميس تسجيلا لمحادثة استمرت 90 دقيقة جرت في 7 مارس الماضي بين أحد أفراد عائلة من الضحايا في كندا وحسن رضايقار، الذي تم تعيينه رئيسًا لفريق التحقيق الإيراني في حادث إسقاط طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية التي كانت متجهة إلى كييف، والذي أسفر تحطمها عن مقتل 176 شخصًا، بينهم 57 كنديًا.

وحصلت السلطات الكندية أيضا على نسخة من التسجيل الصوتي، الذي يكشف عن التفاصيل المؤلمة حول إسقاط الطائرة ورد فعل السلطات الإيرانية آنذاك.

محاولة للتمويه ودروع بشرية!

قال رضايقار، في التسجيل الصوتي، إن إغلاق المجال الجوي فوق طهران كان من الممكن أن يكشف مبكرًا عن هجوم إيران الصاروخي الباليستي على القواعد الجوية الأميركية في العراق، ردًا على مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

وأضاف رضايقار، متحدثًا باللغة الفارسية في التسجيل الصوتي، قائلًا: "يقول البعض إنه كان يجب أن يتم إخلاء المجال الجوي.. إن مجلس الأمن القومي [الإيراني] هو المسؤول.. لكن دعنا نقول إنه إذا كان تم إغلاق المجال الجوي، ألم يكن هذا سيمنع الهجوم الوشيك؟"

عدم التضحية برسوم الرحلات الجوية

وتم إسقاط الرحلة 752 بعد 4 ساعات فقط من الغارة على القاعدة الأميركية.

طوأضاف رضايقار أن إغلاق المجال الجوي كان يعني إلغاء الرحلات الجوية.

يقول رضايقار، والذي كان يشغل منصب رئيس مجلس التحقيق في الحوادث في منظمة الطيران المدني الإيرانية آنذاك، في التسجيل الصوتي، إنه بعد 5 دقائق من حادث سقوط الطائرة بادر بالتواصل هاتفيًا مباشرة مع عسكريين إيرانيين.

اعتراف صريح بقتل الضحايا

ومضى رضايقار قائلا إن أمير علي حاجي زادة، قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإسلامي اعترف بأن الجيش أمر بإطلاق صواريخ بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

واستطرد رضايقار قائلا "تم إبلاغي في الساعة 6:30 صباحًا واتصلت بالحرس الثوري في الساعة 6:35 صباحًا..وسألته: هل قمت بشن هجوم صاروخي؟ وأجاب حاجي قائلًا: نعم ولدينا أوامر بذلك.. وقال إن هناك بعض الاعتبارات للأمن القومي في البلاد."

وفي 11 يناير، اعترف الجيش الإيراني بأنه أسقط الطائرة في حادث غير متعمد وألقى باللوم على خطأ بشري، زاعمًا أن تم قصف الطائرة بالخطأ على أنها هدف معادٍ.

جاء الاعتراف بعد 3 أيام من الإنكار وبعدما أظهرت أدلة الأقمار الاصطناعية أنه تم إصابة الطائرة بالصواريخ.

ولم يقم رضايقار بالرد على طلب قناة "سي بي سي نيوز" للتعليق. ولكن تتضمن إثباتات صحة التسجيل الصوتي استخدام اسمه طوال المكالمة الهاتفية، بالإضافة إلى حصول قناة "سي بي سي نيوز" على نسخ من الرسائل المرسلة من حسابه على تطبيق إنستغرام لإعداد المكالمة الهاتفية.

وبعد أقل من 24 ساعة من إرسال قناة "سي بي سي نيوز" نسخة من التسجيل عبر البريد الإلكتروني إلى رضايقار، طلبًا للرد والتعقيب أمس الأول الخميس، كشف مسؤولون كنديون أن إيران عزلت رضايقار من منصبه.

المسؤولون الكنديون أوضحوا أن قرار إيران بعزل حسن رضايقار، يؤكد أن النظام الإيراني لم يكن شفافا في التحقيقات.

وتم إخطار عائلات الضحايا في بريطانيا صباح أمس الجمعة عبر السفارة البريطانية في طهران بالقرار وبأن محققًا جديدًا يتولى حاليًا المسؤولية.

عزل المحقق دليل إثبات على الجرائم

من جانبه، علق توماس جونو، أستاذ مساعد متخصص بالشؤون الدولية في جامعة أوتاوا ومحلل سابق لشؤون الشرق الأوسط، قائلًا إن إيران تصر على أن التحقيق سيكون مستقلاً، فيما يثبت التسجيل الصوتي عكس ذلك.

وأضاف "إن جعل المحقق الرئيسي يقول مثل تلك الأشياء في هكذا مكالمة هاتفية يضر حقا بهذه الرواية (استقلالية التحقيق بشأن الحادث)"، مشيرًا إلى أن القرار "بعزله، هو محاولة للحفاظ على تلك الرواية."

تهور إجرامي

بدوره قال راجع بيام أخافان، أستاذ القانون الدولي في جامعة ماكغيل والمدعي السابق للأمم المتحدة في لاهاي، ان التسجيل الصوتي هو دليل جديد يفضح أن أعلى مستويات الحكومة الإيرانية هي التي اختارت الإبقاء على الطائرات الممتلئة بالركاب لتحلق في السماء أثناء يوم حافل بالنشاط العسكري المكثف.

وتابع: "لقد تجاهلت القيادة العليا للحكومة المخاطر عن طيب خاطر وعن سابق دراية ومعرفة بها.. إنها ليست مجرد مسألة سهو بشري أو خطأ..إنها مسألة تهور إجرامي".

واكد الخبير القانوني الدولي: "إن ترك الطائرات المدنية عمدا في طريق الأذى، واستخدام الطائرات المدنية في الواقع كدروع بشرية، ينطوي بوضوح على مسؤولية جنائية."

وخلص أخافان الى القول إن التسجيل الصوتي ينطوي على حقيقة واضحة وهي أن فريق التحقيقات ليس إلا مجرد مواجهة للتستر على الجريمة.

تهديد زوج إحدى الضحايا

وجرت مكالمة رضايقار الهاتفية مع جواد سليماني (لا يمت بصلة قرابة لقاسم سليماني وإنما هو مجرد تشابه أسماء)، وهو طالب دكتوراه في جامعة إدمونتون، والذي قال إن رضايقار مارس ضغوطًا عليه لإزالة منشور ينتقد فيه النظام الإيراني على "إنستغرام"، حيث يقوم سليماني بانتقاد النظام الإيراني علانية منذ وفاة زوجته النازنابيي في حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية.

كتب جواد سليماني، في منشوره على "إنستغرام"، أن الإيرانيين لن ينسوا جرائم النظام ضد الشعب.

ويقول رضايفار في مكالمته الهاتفية مع سليماني: "رجاء احذف المنشور على حسابك [الشخصي] على إنستغرام.. هل يرضيك أن يتم إهانة 83 مليون إيراني بسبب هذا المنشور في أن 10 أو 12 شخصا فقط هم من قاموا بإيذائك؟"

ثم يردف رضايقار سائلًا سليماني حول ما إذا كان يعتقد أن الحكومة الكندية "خيرة" وأكثر تعاطفًا معه.

ويضيف رضايقار: "هل أنت متأكد من أن الحكومة الكندية كلها جيدة وغير فاسدة؟".

وقال سليماني إنه بعد يومين اتصلت وزارة المخابرات الإيرانية بأفراد عائلته في إيران لممارسة المزيد من الضغط عليهم بشأن سلوكه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكمل سليماني حديثه لشبكة "سي بي سي نيوز" قائلًا: "إنه أمر سخيف.لقد أرادوا فقط أن يهددوني بطريقة ما لكي أتوقف عن انتقاد النظام على وسائل التواصل الاجتماعي لأن لدي الكثير من المتابعين على إنستغرام".

ويردف سليماني موضحًا: "لقد حاولوا إجباري على أن ألتزم الصمت.. ولكن بصراحة، لا يوجد لدي ما أخسره..وقلت له (لرضايقار) وأخبرته أنه ليس لدي ما أخسره، لذلك لا يمكنك منعي بمجرد تهديدي عن طريق محادثة عبر الهاتف".

"تصرف عبثي"

وعلق الأستاذ المساعد متخصص بالشؤون الدولية في جامعة أوتاوا توماس جونو على هذا التصرف قائلا "من غير اللائق تمامًا" بل إنه أمر "عبثي" أن يقوم محقق مسؤول عن قيادة تحقيقات حول حادث إسقاط الطائرة بممارسة الضغط على أحد أفراد عائلة الضحية في كندا، ولكنه ليس بالأمر المثير للاستغراب في الوقت نفسه. . مذكرا بان إن إيران تقوم بممارسة الضغط النفسي، والجسدي في كثير من الأحيان، ضد أي شخص يعارض النظام، سواء في الداخل أو بالخارج.

في غضون ذلك، أرسلت سيرين خوري، السكرتيرة الصحفية لوزير الشؤون الخارجية الكندي ، بيانًا مكتوبًا إلى قناة "سي بي سي نيوز" قالت فيه: "إن التدخل مع المواطنين الكنديين أمر غير مقبول تمامًا ومقلق للغاية ولن يتم التسامح معه".

وأضاف البيان أن "حكومة كندا تدين أي وكل محاولات لإكراه الكنديين أو الضغط عليهم، وخاصة أولئك الذين يعانون من فقدان أحد أفراد أسرته.. وتشجع حكومة كندا أي شخص يشعر بالتهديد أو أنه غير آمن أو عرضة للإيذاء أن يقوم بالاتصال بسلطات إنفاذ القانون المحلية."

مزيد من الشكوك في كل ما سبق

وقال حامد إسماعيليون، المتحدث باسم الجمعية التي تمثل أسر الضحايا الكنديين، إن التسجيل يثير مخاوف جدية بشأن التقريرين اللذين نشرتهما هيئة الطيران المدني الإيرانية حول الرحلة 752.

يذكر أن إسماعيليون فقد زوجته، باريسا إغباليان، وابنتهما ريرا البالغة من العمر تسع سنوات في الحادث المأساوي لإسقاط الرحلة 752.

وزاد إسماعيليون بالقول: "إن هيئة الطيران المدني الإيرانية لا تتمتع باستقلالية.. إن الهيئة بأكملها [تنسق] عملها بشكل وثيق مع الحرس الثوري الإيراني."

ومن المتوقع أن تنشر إيران تقريرًا آخر حول حادث إسقاط الطائرة قبل التوجه إلى فرنسا في 20 يوليو لتنزيل وتحليل بيانات تسجيل الرحلة المنكوبة، بحسب ما ورد في رسالة تم إبلاغها إلى أسر الضحايا في المملكة المتحدة.