شكلوا رعباً حقيقياً لكل دويلات اليمن: الزرانيق.. أسطورة الرقص والقفز والثورة!

السياسية - Thursday 10 September 2020 الساعة 11:30 am
نيوزيمن، فاروق ثابت:

أكلوهم، أم أكلتهم الأرض، ابتلعوهم، أم التهمتهم السماء، هكذا كان يتردد عن أي جيش أو قوة تذهب لقتال الزرانيق ثم تختفي ولا تعود.

وكيف لمن يعاديهم أن ينجو والصبي منهم يقفز من فوق جملين واقفين.

أصحاب أغرب وأرعب رقصة في العالم يتم فيها القفز فوق الطعن على صوت ايقاع "امحقفة" أو "تبريش"، أو دوران السيوف والمشي برجل واحدة بسرعة مذهلة.

ذات يوم قفز طفل جار لنا من على السرير في منزله فأصيب ب"فتق اربي" لم ير بعده عافية حتى اليوم، وقد تم إجراء عملية جراحية له لإعادته إلى وضعه الطبيعي، لكن ما بال أن يقفز طفل أو مراهق أو شاب من فوق 4 جمال أو يزيد وهي محتشدة بعد أن يأتي كالطائر يسابق الريح، ثم يتطور الأمر إلى القفز فوق السيارات نوع " شاص" أو "طقم" وهي متراصة إلى جانب بعضها.

يُرجع المؤرخ الفوتوغرافي اليمني محمد الغابري، أن السبب في قوة قبائل الزرانيق يعود إلى أجسامهم العملاقة وانهماكهم في الرياضة التي تعد جزءاً لا يتجزأ من فطرتهم وثقافتهم الطبيعية، الرياضة التي لا تقتصر على القفز والرقص على طعن الخناجر والسيوف فحسب وإنما الغطس، والقنص، والفروسية، والجمالة، وهل بإمكان أي طفل في العالم أن يؤدي كل هذه الرياضات مجتمعة سوى طفل الزرانيق؟!

يعود نسب الزرانيق إلى جد اليمن قحطان، والزرانيق عدة بطون، لذلك يسمون بقبائل الزرانيق ويقطنون تهامة، وكلهم وفقاً للمؤرخين والنسابة يعود نسبهم إلى جد واحد هو زرنق بن وليد الذي يصل نسبه إلى القيل عبس بن سحارة بن غالب بن عك القحطاني الحميري.

وعلى مر التاريخ شكلت قبائل الزرانيق رعباً حقيقياً لكل الدول التي حكمت اليمن ابتداءً بالأيوبيين ثم الرسوليين فالطاهريين والجراكسة ثم الأئمة الذين سجل الزرانيق ضدهم معارك ضارية دونها التاريخ بأحرف ناصعة بالفخر والبطولة.

يشير الدكتور عبدالودود مقشر في "حركات المقاومة والمعارضة في تهامة 1918-1962م" أن رجال الزرانيق الحقوا هزيمة منكرة بجيش الإمام يحيى الذي كان بقيادة نائب الإمام حينها (علي بن الوزير ) بعد أن كان شرع بجرائم بشعة ونهب نحو أكثر من 100 قرية من قرى تهامة المسالمة.

وهو الأمر الذي دفع الإمام، حينها، لإرسال علي بن يحيى القيسي، أحد مشايخ صعدة حينها، وهو الشخص الذي اعتمد على الخسة والخديعة إزاء استمالة الأسر الهاشمية في تهامة ومناطق قبائل الزرانيق، لتقويض تماسكها وضرب القبائل من الداخل.. ثم التظاهر بالجنوح للسلم، وهو الأمر الذي وافق عليه مشايخ الزرانيق لأجل تجنيب أبنائهم ومناطقهم ويلات الحرب، فوافقوا على الدخول في مفاوضات ودخلوا في اتفاق كان طرف الامام فيها الهاشمي "المدرك بن البحر" المنصب من قبل الإمام ك"مفتي تهامة" حينها.

وبينما حبر الاتفاق لم يجف بعد، تحرك قائد الجيش الإمامي القيسي ليلاً وبغدر ومكر لأجل مباغته الزرانيق في عاصمتهم "بيت الفقيه"، لكن الأبطال من اقيال اليمن الزرانيق تنبهوا للخطة فحاصروا جيش الإمام من كل الاتجاهات واطبقوا عليه وضربوه ضربة رجل واحد فجندلوا 3 آلاف منهم بينهم شيخ الغدر القيسي وذلك في 20 مايو 1928.

فثارت حفيظة الإمام يحيى حينها وقُضّ مضجعه لهذا الخبر الصاعق، فجمع مستشاريه ووزراءه وأبناءه، وبعد أن اجتمع بهم لتدارس هذا الخطب الجلل أشاروا عليه بتكليف ولده احمد يحيى حميد الدين للقضاء على الزرانيق وثورتهم وقائدهم القيل "أحمد فتيني" على أن جائزة الإمام لنجله إن انتصر في هذه المهمة ستكون تكليفه ولاية العهد.

وأعطى الإمام لنجله زمام التصرف في الجيش الملكي وموله بالمال والمؤن، وتم مخاطبة قبائل حاشد وبكيل ومذحج للاصطفاف إلى جانب جيش أحمد حميد الدين المتوجه تهامة لقتال قبائل الزرانيق.

وبعد أن وصل أحمد حميد الدين وجيش السلالة تهامة بدأ باقتحام الحديدة ثم المناطق التي تليها إلى أن وصل إلى مشارف الزرانيق، حتى كانت المفاجأة، حيث فتك الزرانيق بمقدمة الجيش الامامي عن بكرة ابيه وهزموهم شر هزيمة، وهو الأمر الذي أصاب أحمد حميد الدين بالرعب، فلجأ إلى شراء ولاءات لشخصيات مؤثرة وكذا التواصل مع الأسر الهاشمية لتقويض تماسك القبائل كما فعل القيسي (القائد الذي سبقه)، وهي العادة التي يُعملها الحوثيون حالياً لإخماد أي ثورة تندلع من قبل القبائل في مناطق سيطرتهم.

وبعد أن خسر الجيش الملكي الآلاف من الأفراد والقبائل الموالية له، تمكن أخيرا من السيطرة على زمام المعركة فدمر بيت الفقيه معقل الزرانيق، وأباح لجيشة القتل والنهب وهدمت المنازل والقلاع، وذلك في ال26 من سبتمبر في العام 1928.

المفارقة العجيية هنا أن اقيال اليمن عادوا ليثوروا ويطيحوا بحكم الكهنوت الإمامي وينتقموا لقبائل الزرانيق في اليوم ذاته 26 سبتمبر ولكن من العام 1962 ليكون خلاصاً لليمن من حكم الإمامة وثأراً لأبطال الزرانيق الذين نكلت بهم السلالة في مثل هذا اليوم الذي غير مجرى التاريخ اليمني.

الزرانيق التي أكلت جيش الإمامة والتهمت أرضها وشواطئها كهنوتهم وطغيانهم، ستنفجر حممها وبراكينها ذات يوم ضد المجرمين لا محالة، وقبائل اليمن لا يخمد ثأرها وإن طال الزمن.