أبرز المضامين المضلِّلة في خطاب زعيم المليشيا الحوثية
السياسية - Saturday 13 July 2024 الساعة 11:59 amمنذ بداية خروج المليشيا الحوثية من صعدة عام 2011 تحت ستار الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، لا تتوقف دلائل التضليل والانتهازية والابتزاز في خطابات زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، إضافة للتناقضات الفاضحة بين كل خطاب وخطاب آخر أو بين الخطابات والسلوك المليشاوي للجماعة.
سيتناول هذا التحليل فقط خطاب عبد الملك الحوثي بمناسبة رأس السنة الهجرية 1446، حيث أظهر في هذا الخطاب كمية ضخمة من التضليل والابتزاز للشعب اليمني، رغم أنه يمارس استكباره السلالي أيضاً بطريقة مغلفة بالهوية الإسلامية وما يسميها بشكل ابتزازي "الهوية الإيمانية". تحدث الحوثي عن دور القبيلتين "اليمانيتين" الأوس والخزرج في مناصرة الإسلام بعد هجرة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة. وقد سمح الحوثي لنفسه بتفسير الآية الكريمة: (وَالَّذِين تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإيمَان منْ قَبْلِهِم يُحبُّونَ مَنْ هَاجَر إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِه فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). حيث قال إن هذه الآية نزلت في أنصار الرسول محمد من الأوس والخزرج الذين آمنوا بالنبي ورسالة الإسلام بشكل راسخ جمع بين التزام العبادة والتزام المسؤولية، وليس مثل انتماء بعض الأعراب الذين تقول فيهم آية أخرى: (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم). وبناءً على تفسيره هذا يفرّق الحوثي بين فئتين: المؤمنين والمسلمين، داعياً اليمنيين إلى أن يحذوا حذو أجدادهم من الأوس والخزرج فيما يسميه "الانتماء الإيماني" للإسلام، واحتضان من يهاجر إليهم.
يرى مراقبون ونشطاء أن تفسير الحوثي لهاتين الآيتين يهدف إلى الحصول على مجتمع "مؤمن" بشكل أعمى بالأفكار الطائفية التي تروجها جماعته كتعاليم إسلامية صحيحة وما عداها باطل وضلال. وهو في خطابه يدعو إلى إنشاء مجتمع مؤمن بأفكاره وملتزم بالولاء له وبالعداء لغيره من القوى الاجتماعية والسياسية الأخرى في البلاد. مجتمع يحب من هاجر إليه ويذوب "في خدمة الرسالة الإلهية" التي يدعي تمثيلها حصراً دون بقية فئات وشرائح المجتمع اليمني الذين يخالفونه في الرأي والمذهب، حيث يصفهم "بالأنانيين والمنغلقين على أنفسهم بعصبيات أو مصالح ضيقة" استناداً إلى تفسيره للآية السابقة (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) وهو هنا يطالب الشعب اليمني، وخاصة أولئك الذين تمكنت جماعته من التغرير بهم لموالاتها، أن يبذلوا المال والنفس وأقصى ما لديهم من جهد لأجل مشروعه الطائفي الذي يروج له كمشروع إلهي في الأرض. وإضافة لهذا البذل والعطاء غير المحدود الذي يطالب به أنصار جماعته من اليمنيين أو من يسميهم في بعض خطاباته "أحفاد الأنصار"، فهو يطالبهم بالإيثار على أنفسهم، رغم فقرهم وحاجاتهم المعيشية الأساسية، وأن لا ينظروا إلى الامتيازات والثروات التي يحظى بها قادة الجماعة ومشرفوها الكبار، وهم في الغالب ينتمون إلى الفئة الهاشمية التي يسميها "آل البيت" أو ينتمون إلى محافظة صعدة معقل الجماعة. كما يعتبر أن عدم الالتزام بإيثار هؤلاء القيادات يدخل في إطار الحسد والضغائن والطمع والعُقد والحسابات والمصالح الشخصية.
يقول الحوثي بالنص عن الشروط التي يريدها في الموالين له ولقيادات جماعته الطائفية: "يحملون روحية العطاء والإحسان والتقدمة، إلى درجة الإيثار على النفس، حتى مع الظروف الصعبة، ومع الفقر والحاجة"، معتبراً أن هذا هو تفسير الآية (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) صدق الله العظيم. وفيما يحصد هو والمقربون منه ثمار انقلابهم على السلطة وسيطرتهم على المحافظات التي تحت أيديهم بفعل الحرب والمواقف الدولية المتواطئة، يريد من "أحفاد الأنصار" أي اليمنيين، أن يكتفوا "بالفوز برضوان الله والجنة والنجاة من عذاب الله"، وبما يسميها "الثمرة العاجلة في الدنيا: العزة والكرامة والحرية بمفهومها الصحيح"، متناسياً حملة المداهمات والاعتقالات التي شنتها مخابرات جماعته حتى ضد موالين لها من الأسرة الهاشمية ممن لا ينطبق عليهم تصنيفه الطبقي لآل البيت.
وفي حين يقول في تفسيره للآية (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) أن الشح "يجمع بين الطمع والبخل وبين السيطرة والاستحواذ والتغلّب والأنانية والنظرة الشخصية والتمحور حول الذات"، لا يدرك عبد الملك الحوثي أن كل هذه الصفات موجودة فيه وفي جماعته والدلائل العملية على ذلك كثيرة وقد أصبح اليمنيون يلمسونها في سلوك الجماعة، خاصة منذ توقف العمليات العسكرية بموجب الهدنة في أبريل 2022.
ومن تفسير القرآن الكريم يدخل عبدالملك الحوثي إلى تفسير الأحاديث النبوية، حيث يورد حديثاً شريفاً يقول: (اتقوا الشحّ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)، وهو بذلك لا يرى الشحّ الذي تمارسه جماعته ضد الشعب اليمني في مناطق سيطرتها واستحواذها على ممتلكاتهم والثروات الوطنية وإيرادات مؤسسات الدولة دون أن تكترث للظروف الصعبة وحالة الفقر المدقع التي يعيشها الشعب. كما لا يرى ما تسفكه جماعته من دماء اليمنيين واستحلال المحرمات دون مراعاة لآية قرآنية أو حديث نبوي أو للقيم الإسلامية النبيلة التي يتحدث عنها بتكرار ممل.
تحفل خطابات عبد الملك الحوثي بالكثير جداً من التناقضات والتضليل وتزييف الحقائق وتعسف تفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، إضافة لمحاولاته الدؤوبة في تفكيك قيم المجتمع اليمني وعاداته وتقاليده التي تعتبر من "محاسن الأخلاق" التي قال الرسول الكريم نفسه إن الله بعثه برسالة الإسلام لكي يتممها لا لكي يلغيها. ومن جهة أخرى، يواصل الحوثي توجيه جماعته نحو تفكيك مؤسسات الدولة التي تأسست من خيرة العقول اليمنية في السياسة والاقتصاد والثقافة وجميع جوانب بناء الدولة. حيث أفصح بوضوح في خطاب رأس السنة الهجرية هذا العام عن أن من أسباب تأخير تشكيل حكومة جماعته هي إعادة تصميم الهياكل الإدارية للوزارات والمؤسسات الحكومية وإعادة صياغة أهدافها ومهامها، في مؤشر خطير على المستوى الذي وصل إليه العبث الحوثي بمؤسسات الدولة والذي يجب أن تتحرك الحكومة الشرعية لمنعه أو على الأقل كشفه للرأي العام اليمني والدولي.
ويُجمع مراقبون ومحللون يمنيون على أن من أبرز دلائل وعلامات التضليل والانتهازية والابتزاز في خطابات عبدالملك الحوثي تتمثل في النقاط التالية:
1- ما يخص الإسلام:
- احتكار التحدث باسم الدين الإسلامي على أساس الانتماء لقبيلة بني هاشم التي ينتمي إليها النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى نطاق أضيق من يسميهم (آل البيت).
- الدمج المتعسف بين مصالح جماعته والمصلحة الدينية لعموم المسلمين بشكل يغلب عليه التطفل والانتهازية وتأويل النص القرآني والأحاديث النبوية وأحداث التاريخ بما يخدم مصالح الجماعة الفئوية والشخصية.
- تقديم نفسه كزعيم للإصلاح الديني وتكفير أو تخوين كل من ينتقد نهجه القائم على الحرب باسم الإسلام كخيار أول لفرض سيطرة جماعته على شعب مسلم منذ السنوات الأولى للبعثة النبوية.
- حصر الإسلام الصحيح في المذهب الشيعي الموالي للحسين بن علي بن أبي طالب، إضافة لحصر أهلية الحكم على من يسميهم "آل البيت"، وغير ذلك مما ينطبق عليه بوضوح مبدأ سوء استخدام الدين الإسلامي لتحقيق مصالح فئوية وشخصية.
2- ما يخص اليمن شعباً ودولةً:
- التمسك بالانتماء السلالي الهاشمي وعدم تصريحه بالانتماء لليمن بوضوح، وتكريس أفضلية النسب الهاشمي على أنساب القبائل اليمنية والمجتمع اليمني بشكل عام، بدليل حذف الحوثيين هدفاً من أهداف ثورة 26 سبتمبر القائل بإلغاء التمايز بين طبقات المجتمع.
- تحويل الإسلام إلى نقطة ابتزاز لليمنيين المعارضين لجماعته وسلوكها في الحكم، ومؤخراً امتداد هذا الابتزاز إلى الموالين للجماعة الذين يطالبون بامتيازات على غرار بقية قيادات الجماعة.
- تكريس وصف الأعراف اليمنية الأصيلة بالطاغوت، ومحاولة استبدالها بقواعد سلوك نابعة من اجتهادات فقهية طائفية محل خلاف بين فقهاء بقية المذاهب الإسلامية، واستخدام القوة والحيلة والابتزاز لطمس الهوية الحضارية لليمن تحت ذريعة ما يسميها "الهوية الإيمانية".
- محاولة فرض مبدأ الولاية للحاكم المنتمي لمن يسميهم "آل البيت" والتشكيك في العقيدة الدينية لكل من يعارض هذا المبدأ الخلافي، وتخوين انتماءه الديني وكذا الوطني.
- فرض الجبايات الجائرة تحت مسميات الزكاة ودعم ما يسميه المشروع الإسلامي رغم حصره فيما يسميه مشروع الحسين بن علي، واستنهاض الحمية والعصبية الطائفية للثأر لمقتل الحسين.... وغير ذلك، حيث يرى المراقبون أن على الحكومة الشرعية مواجهة هذا التضليل الحوثي على الشعب، أو على الأقل كشفه للناس أولاً بأول.