"ذراع ايران" يبني مؤسسات دولته ويهدم مؤسسات الدولة اليمنية

السياسية - Wednesday 12 December 2018 الساعة 08:13 am
صنعاء، نيوزيمن، سمير الصنعاني:

لمتابعة الحلقتين

الاولى: عن المرشد واللجان الثورية واللجان الشعبية

الثانية: جهاز الأمن الوقائي، مجلس التلاحم القبلي ومجلس حكماء وعقلاء اليمن

وفي هذه الحلقة يتناول الكاتب بقية المؤسسات..

- مؤسسات (الشهداء والجرحى والأسرى)

وضمن إطار سعي المليشيا لاستكمال مشروع تدمير مؤسسات الدولة، عمدت إلى إنشاء ثلاث مؤسسات خاصة بالشهداء والجرحى والأسرى التابعين للمليشيا.

والتفافاً على دور وصلاحيات ومهام مؤسسة شهداء ومناضلي الثورة التي كانت مختصة بدور الإشراف والمتابعة لقضايا شهداء ومناضلي الثورة وأسرهم وتسليم مرتباتهم، عمدت مليشيات الحوثي إلى إنشاء مؤسستين الأولى أطلقت عليها مؤسسة الشهداء، والثانية مؤسسة الجرحى.

وتتولى مؤسسة الجرحى متابعة أوضاع جرحى مليشيات الحوثي الذين يصابون في المعارك التي تخوضها في عديد جبهات ضد قوات الحكومة الشرعية وقوات المقاومة الوطنية ومعالجتهم وتسفير بعضهم إلى الخارج لتلقي العلاج، إلا أن الكثير من الجرحى من أبناء القبائل الذين يقاتلون في صفوف المليشيا يشتكون من سوء معاملتهم مقارنة بجرحى المليشيات ذوي الأصول الهاشمية أو أولئك الذين ينتمون إلى محافظة صعدة تحديداً.

وعلى ذات المنوال فإن مؤسسة الشهداء تتولى الاهتمام بقضايا شهداء المليشيا الذين يسقطون في جبهات القتال وأسرهم بشكل خاص ومنحهم إعانات مالية، فضلاً عن تقديم تسهيلات لأسرهم في مجال التعليم والصحة خصوصاً إذا ما كانوا من أبناء القيادات الكبيرة في مليشيا الحوثي.

وتقول المصادر لنيوزيمن، إن قيادة المليشيا الحوثية أصدرت فتوى ملزمة لعناصرها بضرورة الزواج بأرامل الشهداء حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى زواج البعض منهم لثلاث أو أربع نساء، في مقابل قيام مؤسسة الشهداء بتمويل تكاليف الزواج ومنحه راتباً شهرياً لمساعدته على إعالة أبناء القتلى الذين يتم تزويج أمهاتهم لبعض قيادات المليشيا.

لكن في المقابل فإن ثمة شكاوى كثيرة حول ما تمارسه هذه المؤسسات برزت إلى العلن منها أن مؤسسة الشهداء لا تولي أي اهتمام أو رعاية بالأسر التي لديها شهيد واحد. فقط، فضلاً عن ممارسة تمييز واضح لصالح أبناء الشهداء والجرحى من الأسر الهاشمية أو أولئك الذين تربطهم علاقات جيدة مع قيادات في المليشيا، ناهيك عن تحول هاتين المؤسستين إلى كيانات يستشري فيها الفساد حيث تؤكد المصادر لنيوزيمن، أن قيادات هذه المؤسسات تمارس عملية فساد مالي واضح وبعضها أصبح يمتلك فللاً ومنازل خاصة وعقارات أو شركات تجارية في العاصمة صنعاء.

ثالث هذه المؤسسات هي اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والتي تتولى مهمة متابعة قضايا أسرى المليشيا الحوثية لدى قوات الحكومة الشرعية، أو لدى قوات المقاومة الوطنية، أو لدى قوات التحالف العربي.

وأسست هذه اللجنة خلال مفاوضات الكويت، حيث أسندت إليها مهمة جمع بيانات الأسرى والمعتقلين التابعين للمليشيا لدى الأطراف الأخرى، وعين القيادي في المليشيا عبدالقادر المرتضى، الذي كان ممثلاً لمليشيا الحوثي في لجنة الأسرى والمعتقلين في مفاوضات الكويت رئيساً لها.

وتتولى اللجنة حالياً متابعة عملية تبادل الأسرى والمعتقلين التابعين للمليشيا مع الأطراف الأخرى، إلا أن مصادر رسمية أكدت لنيوزيمن أن اللجنة تمارس عملية تمييز واضحة في متابعة أسرى المليشيا مقارنة بالأسرى من أبناء القبائل والبسطاء الذين يقاتلون في صفوف المليشيا.

وتعتقل مليشيا الحوثي مئات القيادات السياسية والإعلامية والنشطاء والمشايخ والشخصيات الاجتماعية المناهضة لها، وآخرهم أقارب الشهيد الزعيم صالح وهم محمد محمد عبدالله صالح، وعفاش طارق صالح، واللذين ترفض المليشيات حتى الآن الإفراج عنهما.

كما تعمد المليشيات إلى استخدام الأسرى والمعتقلين في كثير من الأحيان كدروع بشرية، فيما تستخدم آخرين ممن تعتقلهم بدون تهم في عملية المساومة والمبادلة لأسراها لدى قوات المقاومة وقوات الحكومة والتحالف.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة لعدد قتلى وجرحى وأسرى المليشيات الحوثية فإن مصادر تؤكد أنهم بالآلاف وأن خسائر بشرية كثيرة تعرضت لها المليشا الحوثية خاصة في جبهة الساحل الغربي.

- هيئة الإفتاء الشرعية اليمنية

مخطط المليشيا الحوثية الرامي إلى استكمال السيطرة على مفاصل ومؤسسات الدولة لا يقتصر على إنشاء مؤسسات وكيانات بديلة لبعض مؤسسات الدولة فحسب، بل وإلى ملشنة وحوثنة بعض المؤسسات التي لا تستطيع المليشيا استبدالها بكيانات خاصة بها.

وفي هذا الإطار فقد عمدت مليشيا الحوثي إلى إصدار قرار من المجلس السياسي الذي تسيطر عليه في العاشر من أبريل 2017م قضى بتعيين هيئة الإفتاء الشرعية اليمنية من ستة أعضاء من العلماء المنتمين للمليشيا، بل وكلهم ذوو أصول هاشمية.

وقوبل ذلك القرار باستنكار رسمي من قبل الحكومة الشرعية، حيث أصدر وزير الأوقاف والإرشاد في حكومة الشرعية الدكتور أحمد عطية، بياناً استنكر فيه قرار المليشيا الحوثية، واصفاً إياها هي بخطوة غير دستورية تضاف إلى سجل الانقلاب المليئ بالخروقات والتجاوزات الخاطئة، مؤكداً أن قرار دار الإفتاء حق دستوري محض لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، وهو من يصدر قرار تشكيل دار الإفتاء وتعيين مفتٍ للجمهورية.

وبالإضافة الى الرفض الرسمي فقد قوبل قرار المليشيا بخصوص تعيين هيئة للإفتاء باستهجان ورفض شعبي من قبل الإعلاميين والنشطاء الذين وصفوا القرار بأنه استكمال لملشنة مؤسسات الدولة ومحاولة من الحركة الحوثية لفرض مشروعها المذهبي على عموم الشعب اليمني المتعدد المذاهب خصوصاً بالنظر الى أسماء رئيس وأعضاء الهيئة وأصولهم الأسرية، وخلفياتهم الدينية والمذهبية.

- الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث

مثل قرار مليشيا الحوثي إنشاء الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية إحدى أبرز الأدلة على إصرار المليشيا ليس فقط الانقلاب على اتفاق الشراكة مع المؤتمر الشعبي العام، وتعمد التدخل في صلاحيات ومهام مؤسسات الدولة، بل وتأكيداً على نزوع المليشيا للسيطرة على كل مقدرات وإمكانيات الدولة وتحويلها إلى مؤسسات جباية وتحصيل لصالح المليشيا.

ولم تكتف مليشيا الحوثي بإثارة الخلافات مع الوزراء المحسوبين على المؤتمر الشعبي العام في حكومة الإنقاذ والتدخل في أعمالهم سواءً من خلال تعيين نواب وزراء ينتمون للمليشيا، أو من خلال تدخل مشرفي الحوثي، أو من خلال حملات الاستهداف السياسي والإعلامي وعمليات الاقتحامات المسلحة لمكاتبهم ووزارتهم، بل أصرت على مصادرة صلاحيات ومهام الوزارات المحسوبة على المؤتمر من خلال إنشاء هيئات جديدة خارج الدستور والقوانين النافذة وإيكال مهام واختصاصات هذه الوزارات إليها.

وجاء إنشاء الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث ثم قرار إعادة تنظيمها والذي تضمن تكوين مجلس للهيئة برئاسة مدير مكتب الرئاسة وإضافة جهاز الأمن القومي إلى عضوية مجلس الهيئة ليؤكد أن مليشيا الحوثي تنفذ مشروعا ممنهجا يهدف إلى تحويل مؤسسات الدولة إلى كيانات تخدم المليشيا ومشروعها.

وتؤكد المصادر الحكومية لنيوزيمن أن إنشاء هيئة إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث بتلك الكيفية والصلاحيات والإدارة مثل ليس مخالفة دستورية فقط، بل وضربة قاصمة لصلاحيات ومهام الحكومة، حيث صادر صلاحيات وزارات التخطيط والتعاون الدولي، والخارجية، والشؤون الاجتماعية والعمل، وكل صلاحيات الجهات الرسمية المتعلقة بموضوع استلام الدعم الخارجي الخاص بالجانب الإغاثي والإنساني وتحويله إلى الهيئة التي تتولى مهمة تخصيص وتوزيع المساعدات بما يخدم مصالحها كقيادات وكحركة.

وتضيف المصادر أن سيطرة القيادي في المليشيا الحوثية أحمد حامد على الهيئة، بالإضافة إلى ممثل جهاز الأمن القومي الذي تسيطر عليه المليشيا أيضا، هو العامل الأول في عمليات النهب والفساد الكبير الذي تمارسه المليشا للمساعدات الإغاثية والإنسانية الأممية.

وتشمل عملية نهب المليشيا المساعدات النقدية والعينية والغذائية والأدوية والعلاجات، كما تمارس المليشيا عمليات ابتزاز بحق بعض المنظمات الدولية التي تتولى عملية تقديم المساعدات خصوصاً في الجانب الأمني.

وعمدت المليشيا إلى إنشاء منظمات ومؤسسات مدنية خاصة بها ومنحتها تسهيلات كبيرة تحصل بموجبها على جزء كبير من أموال الدعم الذي يقدم من قبل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى سواء أكان ذلك الدعم مادياً أم عينياً، وفي المقابل فإن المليشيات وعبر الأجهزة الأمنية ومشرفيها يمارسون عملية تضييق كبيرة بحق المنظمات والمؤسسات المدنية العاملة في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية وصل إلى حد اقتحام مقرات بعضها ومصادرة مخزوناتها من المساعدات الإغاثية والإنسانية بمبرر دعم أسر الشهداء والجرحى والمقاتلين في الجبهات.

- الهيئة العامة للزكاة

تعد قضية الزكاة أهم قضية ترتبط بمشروع المليشيا الحوثية المذهبي والعنصري وإحدى مظاهر سعيها للسيطرة على الدولة وتحويل مواردها لصالح المليشيا.

وكانت قضية رفض مؤسس مليشيات الحوثي حسين الحوثي تسليم الزكاة لسلطات الدولة المحلية في صعدة، وإصراره على استلامها لصالح أسرته هي الشرارة التي أدت إلى تمرده المسلح على سلطات الدولة التي اضطرت إلى إخماد تمرده عسكرياً بمعركة انتهت بمصرعه.

وعقب سيطرتها على مؤسسات الدولة وبدء ممارستها الفعلية لمهام السلطة سارعت مليشيات الحوثية إلى طرح موضوع الزكاة وطريقة تحصيلها بشكل متكرر حتى إن زعيم المليشيا كرر الحديث عنها والمطالبة لمجلس النواب بإصدار قانون خاص بالزكاة كما تطرحه حركته مراراً.

ومثل موضوع الزكاة إحدى القضايا الخلافية بين المؤتمر الشعبي العام والحركة الحوثية في إطار المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ بسبب إصرار المؤتمر على الالتزام بالدستور والقانون فيما يتعلق بجباية وتحصيل أموال الزكاة ومصارفها.

وبدأت المليشيا الحوثية مشروعها في السطو على أموال الزكاة من خلال الالتفاف على قانون السلطة المحلية الذي يمنح حق جباية وتحصيل زكاة كبار المكلفين لصالح السلطات المحلية، حيث أقدمت المليشيات على فتح حساب خاص في البنك المركزي لجباية زكاة كبار المكلفين التي تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنها تمثل نسبة 80%، من الإيرادات التي تعتمد عليها السلطات المحلية في جميع المحافظات بما فيها العاصمة صنعاء التي تشير ذات الإحصاءات إلى أن إيراداتها الزكوية تمثل ما نسبته 70 % من الإيرادات الزكوية في مختلف المحافظات اليمنية، وفقاً لإحصاءات العام 2013م التي ووفقاً لأرقامها فإن إجمالي الإيرادات الزكوية في الجمهورية بلغ نحو 12 مليار ريال في حين ما تم توريده من أمانة العاصمة يصل إلى 6. 7 مليار ريال.

ويؤكد المراقبون أن إصرار مليشيات الحوثي تغيير الإطار القانوني والمؤسسي الناظم لجباية وتحصيل وتوزيع الزكاة لا يرتبط فقط بالجانب الديني المتمثل في موضوع الخمس الذي تصر المليشيا على حقها في جبايته، بل أيضاً بسعيها لنهب أموال الزكاة كمورد بالنظر إلى حجم عائداتها المالية التي كانت تدرها على مؤسسات الدولة.

وعقب انتفاضة ديسمبر عمدت مليشيات الحوثي إلى صياغة مشروع قانون جديد باسم قانون الزكاة قدم إلى مجلس النواب يتضمن الحديث عن موضوع الخمس الذي أثار انتقادات واسعة.

وعلى الرغم من أن مجلس النواب لم يقر المشروع وأن تقرير اللجنة الدستورية فيه رفضه، إلا أن مليشيا الحوثي وعبر سيطرتها على المجلس السياسي عمد إلى إصدار قرار في 14 مايو 2018م بإنشاء ما سمي بهيئة الزكاة، التي باتت هي المخولة بجباية وتحصيل أموال الزكاة وإنفاقها خارج إطار الدستور والقوانين والرقابة، ما يشكل أحد موارد الفساد المالي والإداري الذي تمارسه مليشيا الحوثي فيما يخص إيرادات الدولة.

ويتفق المراقبون والمحللون السياسيون والاقتصاديون على أن مليشيات الحوثي باتت بمشروعها المذهبي والعنصري والعسكري والإجراءات التي تمارسها على الصعيد التنفيذي والفكري والديني والأمني والمؤسسات التي أنشأتها وتنشئها، أشبه بدولة داخل الدولة بالنظر إلى عملية التعيينات التي تتم في مفاصل الدولة والتي تتسم بعملية حوثنة وملشنة واضحة لهذه المؤسسات من جهة، أو من خلال إنشاء كيانات ومؤسسات بديلة لمؤسسات الدولة، أو من خلال إنشاء كيانات رسمية جديدة تصادر صلاحيات ومهام المؤسسات الرسمية، وكلها إجراءات تصب في إطار تنفيذ مشروع المليشيات الحوثية الذي يهدف إلى السيطرة على الحكم بالقوة وفرض مشروعه السياسي والمذهبي على اليمنيين.

وثمة إجماع على أنه وبقدر ما ستشكل الإجراءات والسياسات التي نفذتها مليشيات الحوثي خلال الأعوام الماضية، فيما يخص مؤسسات الدولة، أحد التحديات في مسار التسوية السياسية القادمة إن تمت، إلا أنها يجب أن تكون أحد الحوافز التي يجب أن تشكل إجماعاً وطنياً على رفضها واعتبارها أدلة ومبررات كافية لتوحد اليمنيين ضد مليشيات الحوثي ومقاومتها بشتى الوسائل، وفي المقدمة منها وسيلة الحرب ضدها وتحرير المحافظات والمدن من سيطرتها.