خالد الدعيس.. قربان إب الجديد في محراب الجمهورية

السياسية - Tuesday 02 April 2019 الساعة 12:02 am
إب، نيوزيمن، سهيل القادري:

ذات يوم وصفها الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ب"إب البطلة"، ولو قُدر له المزيد من العمر لرأى بطلته ترسل في مواكب الحرية، شامخاً جديداً من أبناء جبل بعدان الأشم، وقرباناً زاكياً في محراب الدفاع عن الجمهورية ضد الإمامة الحوثية.

شاب مهووس

خالد الدعيس، ليس الأول ولن يكون الأخير، بين المئات من أبناء إب الذين نفد صبرهم للانتظار حتى تنهي محافظتهم حالة الترقب وترتيب الأوراق، فاتجهوا وحداناً وزرافات إلى مناطق التماس في غير بقعة من وطنهم الأكبر، اليمن.

خالد، الشاب الثلاثيني وجد أن شهادة الشريعة والقانون الجامعية الحاصل عليها، لم يعد لها قيمة من دون بندقية تسندها في ظل تسلط جماعة متخلفة أتت من غيابة الزمن لتسيطر على بلده، لا تعرف من الشريعة والقانون سوى "وما أريكم إلا ما أرى"، فدنست الشريعة وداست القانون.

مثل غيره من ملايين الشباب اليمني، يرفض خالد أن تُدفن أحلامه بدولة يحكمها قانون "الناس سواسية كأسنان المشط" على قارعة خرافة السلالة والولاية، وعبّر كل بطريقته في الوقوف بوجه الكهنوت الحوثي، بيد أنه خالد وعشرات الآلاف من أضرابه اختاروا اللغة الوحيدة التي تعرفها الجماعة، لغة القوة، لكن لهدف يختلف كلية عن زراعة الموت حرفة الحوثية المفضلة، خالد ورفاقه أرادوا الموت لأجل الحياة، فكان استشهاده مؤخراً في جبهة الضالع.

يقول خالد في منشور له على صفحته بفيسبوك، قبل استشهاده بيومين "على الصعيد الشخصي، فمحدثكم، قضى سنة في مأرب ثم أربعة أشهر في قعطبة".

ويضيف، "محدثكم يؤكد أن البندقية التي أحملها بندقية الوالد، رحمه الله، هربتها بطريقتي من البلاد قبل فترة والجعبة والقرون والرصاص والميري من حر مالي".

كان مهووساً بحب اليمن وبهويتها، فغلف صفحته الخاصة في الفيس بصورة لقمة من قمم بلدته بعدان، كَتب عليها "أرضنا حميرية الأصل ليست أرض زيدية ولا شافعية". الإبحار في صفحته يؤكد أنه من أولئك الذين اتخذوا قراراً حاسماً في الوقوف مع الصف الجمهوري ضد كهنوت الولاية الحوثية.

أسرة نضالية

أشار خالد إلى بندقية والده، فمن هو والده؟ إنه السياسي عبدالقادر عبدالله حسن الدعيس، عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، وممثله في انتخابات تكميلية عن إحدى دوائر بعدان لعضوية مجلس النواب، وبدوره لم يكن عبدالقادر إلا امتداداً لجد خالد، عبدالله الدعيس البرلماني المخضرم، عضو لجنة المتابعة القائمة بأعمال مجلس الشورى عام 1964 في إطار سلطات الجمهورية أثناء الصراع المسلح والدفاع عن ثورة 26 سبتمبر ضد محاولة الارتداد الملكية الإمامية، وتواصلت عضويته البرلمانية منذ تشكيل المجلس الوطني نهاية ستينيات القرن الماضي وحتى مجلس النواب الحالي، باسم المؤتمر الشعبي عقب إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في مايو 1990. أما الجد الثاني لخالد، حسن الدعيس فقد كان أحد وجهاء إب الواقفين ضد الظلم الإمامي، حتى إن بعضهم لقبه بفيلسوف ثورة 1948.

تعتبر أسرة بيت الدعيس من أهم أسر المشيخ في مديرية بعدان، وتتمتع بثقل شعبي هناك، ما يعطي بعض الخصوصية لاستشهاد خالد. ويرجح ألا تتوقف قصة خالد عند استشهاده، فهي تضيف سببا جديدا، وخاصا، إلى التوجه السياسي والتاريخي لأسرته يرفع منسوب التذمر لديها وبالنتيجة لبقية الأسر، وأبناء بعدان عموما لما يربط بيت الدعيس بهم من علاقات طيبة.

بعدان –وهو اسم لأحد آلهة اليمنيين القدماء- من الناحية التاريخية كان لها وزنها في أحداث اليمن، إب وتعز على وجه الخصوص، نظرا لأهمية موقعها الجغرافي وطبيعة تضاريسها الجبلية، فضمت قممها عددا من الحصون، أهمها حصن حب أحد أشهر الحصون اليمنية.

أرجعتني القيادة من "ناصة" وأوجعتنا الهاشمية بإسقاطها.. شهيد يشكو خذلان قيادات المعارك

جبل بعدان يطل من جهة الشرق على الضالع المشتعلة، ويحتضن أسفله الغربي مدينة إب، التي يشكل البعدانيون النسبة الأهم من سكانها، وهو كذلك يشرف على واحدة من أهم شبكات الطرق في اليمن، طريق صنعاء تعز ذي الأهمية الاستراتيجية في عمليات الإمداد لعدد من الجبهات الساخنة عسكريا. ويتذكر أبناء إب أن جبل بعدان كان من أوائل مطلقي شرارة المقاومة ضد الانقلاب الحوثي إبان تمدده في محافظتهم.

قالوا عنه

كتب سفير اليمن في الأردن علي العمراني على حائطه في فيسبوك "كم أحزنني استشهاد هذا البطل البعداني.. حكايته ملهمة للوطنيين الأحرار.. تنطبق عليه مواصفات بطل حقيقي.. زاملت والده عبدالقادر، ومن قبله جده عبدالله حسن الدعيس في مجلس النواب منذ 1993.. جده حسن شيخ قبلي كبير وفيلسوف أيضا.. خالد الشهيد يحب وطنه المفدى اليمن بلاحدود ووهبه حياته..".

ووصفه وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان بأنه علي عبدالمغني جيله.

وقال عنه الصحفي أمين الوائلي "لاحق السابقين وسابق اللاحقين، أيقونة جيل الأمانة الجمهورية، وآية نصر الأمناء الجمهوريين، على العهد والوعد يا خالد، في القلب بلاد تبكيك فوق الحزن والفرح، وفي القلوب بلاد تحتذيك إلى ميقات نبأ من سبأ، سلام عليك في الخالدين".

وكتب صديقه الإعلامي كامل الخوداني "أتذكر زيارتك لي إلى عدن وجلوسنا معاً لعدة أيام.. حماسك، عنفوانك، وطنيتك، يا خالد يا صديقي الذي أوجعنا رحيله لن نبكيك ولن نرثيك يا صديقي على دربك.. ودربك هو درب كل يمني حر.. كتاباتك، قصائدك، نهج نسير عليه".

خالد الدعيس، أحد التعبيرات عن عشق أبناء إب للحرية والجمهورية، هؤلاء الذين لم يعرفوا الإمامة ولم تعرفهم حتى نهاية القرن العاشر الهجري، وحين تسللت على غفوة من الزمن، عاودوا الصحوة بين الفينة والأخرى، وأبوا أن تكون خضراؤهم مرتعا آمنا لبقايا عصر الكهوف، فانتفضوا مرارا، ومرارا، وما الفقيه سعيد الهتار، قبل نحو مئة وثمانين عاما، وعلي عبد المغني في ثورة 26 سبتمبر إلا عنوانان من عناوين قافلة الحرية المنطلقة من ربوع إب.

وما زال لدى "إب البطلة" يراع يتأهب لإضافة الكثير إلى أنشودة الجمهورية اليمنية.