لم يعد الحديث عن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين جديداً، فقد اتضح الأمر وتبين أن كل العالم يتعامل بمعايير مزدوجة مع ما يجرى على الساحة الفلسطينية.
ففي حين يبلغ معدل القتل في فلسطينيي "غزة" عشرة شهداء في كل ساعة وما يزال العداد في تواصل، يبقى العالم مشغولاً بقضية الأسرى الإسرائيليين الذين لا يتجاوز عددهم المائتين.
ما ترتكبه القوات الإسرائيلية من جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في حق الفلسطينيين، لم يكن مستغرباً فتجربة الفلسطينيين مع هذه الجرائم طويلة وتمتد إلى ما قبل تأسيس دولة إسرائيل في العام 1948م، لكن المستغرب هو تلك المواقف التي تستدعي النوازع الأخلاقية والمواعظ الدينية والقوانين الدولية بشأن جرائم الحرب واستهداف المدنيين.
وينسى أصحاب هذه المواقف، وبعضهم يتناسى أن إسرائيل لا تضع أي اعتبار للقوانين الدولية ولا للقيم الأخلاقية والاعتبارات الإنسانية، وحينما تستدعي الوازع الديني، تتذكر وصية أشعياء وغيرها من الوصايا التلموذية الداعية إلى القتل الجماعي لأحفاد عماليق، وعدم استثناء النساء والأطفال وحتى الأنعام والدواب..!
قصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس وسيارات الإسعاف وقتل الأطفال والنساء والعجزة والمصابين والأطباء والمسعفين وعاملي الخدمات الطبية، وهدم المنازل فوق ساكنيها، وكل ما تفعله إسرائيل من جرائم لم يسبق لها مثيل في كل تاريخ الحروب، ليس نتيجة أخطاءٍ تكتيكية أو خلل في المعلومات الميدانية أو تصرفاتٍ فردية يرتكبها مستهترون أو متعصبون، بل إنه عمل مقصود ومخطط له وتقره المؤسسات الحاكمة في إسرائيل، وهو يتظافر مع الحصار المطبق برًّأ وبحرًا وجوًّا على كل أهل غزة وحرمانهم من أبسط أساسيات البقاء على قيد الحياة، وهي الماء والغذاء والدواء والوقود، ليصب كله في طاحونة القتل الإسرائيلية.
الإسرائيلي لا يناقش الأمور من منظار ما إذا كان ما يفعله جائزاً أم غير جائزٍ؟ قانونياً أم غير قانونيٍ؟ أخلاقياً أم غير أخلاقيٍ؟ بل إنه يسعى لهدف واحد وحيد وهو محو الشخصية الفلسطينية من الوجود بأية وسيلة من الوسائل: بالتهجير القسري وهو أقلها شرّاً أو بالحصار والتجويع والتعطيش والحرمان من العلاج والغذاء والماء والدواء والوقود وبقية متطلبات الحياة، أو بالقتل المباشر بالوسائل العسكرية.
فالمحصلة بالنسبة لهؤلاء هي واحدة وهي تنفيذ مخطط الإبادة التي أوصاهم بها حاخاماتهم وقساوستهم المنحرفين عن شريعة النبي موسى عليه السلام.
مما لا شك فيه أن الفظائع الوحشية التي يرتكبها الإسرائيليون في حق الشعب الفلسطيني تدمي كل ضمير حي، لكن قادة إسرائيل وساستها يتوهمون أنهم بكل ما يفعلون سوف ينجحون في القضاء على الشعب الفلسطيني ومحوه من الوجود.
بيد أن هذا الوهم في طريقه إلى الزوال النهائي، لأنه ببساطة يتناقض مع منطق التاريخ وقوانين الطبيعة والمجتمع الإنسانيين.
فإذا كان قانون الحفاظ على النوع ينطبق على جميع الكائنات النباتية والحيوانية، حتى تلك التي لا تمتلك شيئا من وسائل المقاومة وإرادة البقاء، فما بالنا بشعبٍ له من العمر أكثر من أربعة آلاف سنة، وقد أمضى قرابةَ قرنٍ كاملٍ وهو يتعرض لجميع محاولات الإبادة والإزالة وكل مغريات النزوح والتهجير، ومع ذلك أفلست كل تلك المحاولات وبقي هذا الشعب حياً متقداً طاقةً وتجدداً يتوارث فنون المقاومة وثقافة الحفاظ على النوع وسيبقى هكذا إلى أبد الآبدين.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك