لغة نارية يفوح من بين حروفها البارود، تبرز الآن في خطاب إعلام الانتقالي، وكأن هناك من استفاق من صدمة الرهان على الجوار، في تضمين حقوق الجنوب في ديباجة التسوية ومشاورات القنوات الخلفية.
هناك خطاب من استشعر بالخطر بعد غفلة الاتكاء غير اليقظ على السياسة المتسامحة، وإدرك أن لا شيء للجنوب على طاولة توزيع مغانم التقاسم، ولا حتى بحقوق الحد الأدنى وما بقي من فتات المحاصصة.
الجنوب، حسب ما رشح من حوارات الصفقة، ذاهب نحو تصفية قضيته، وإخراجها كلياً من محاضر المداولات الإقليمية، بعد أن راهنت الطبقة السياسية الجنوبية، على اختطاط طريق اعتقدت بأنه سيقودها إلى أبواب مفتوحة على حل عادل، فإذا كل الأبواب موصدة وكل الدروب تقود إلى حل ثنائي القطب سعودي حوثي، وأن الجنوب بثرواته مجرد هدايا لاحتواء اندفاعة الحوثي من تصعيد يطول الداخل وما وراء الحدود، ولا شيء يشتري صمته سوى نفط وغاز الجنوب، وكعكة حكم يبتلعها بلا شركاء مفترضين.
العودة ثانية إلى بث الحماسة الثورية وخطاب الحرب وشد العصب استعداداً للأسوأ، هو محصلة طبيعية لإدارة معركة بأوراق قوة، لم توظف في وقتها جيداً لإسناد المفاوض الجنوبي، وهو خطيئة الاحتفاظ بها والانتظار حتى الساعات الأخيرة، بعد أن نضجت الصفقة بين الرياض وصنعاء، واتفق الكل على الحصص، وأصبح حاصل عدم الضغط الانتقالي المبكر للانخراط في مفاصل وتفاصيل المشاورات، صفر مكاسب، وتضحياته لم تنتج الإقرار بالحقوق.
الانتقالي تجري عملية عزله وإضعافه الممنهج، والتطويح به خارج المشاورات، مع أنه المكون الوحيد الذي منح الجميع نصراً على الحوثي، وورقة ضغط تفاوضية، ولم يحصد سوى آلاف الشهداء ومرارات الخذلان.
شيئاً فشيئاً يتم تظهير كشف حساب خروج المغلوب من لعبة التسوية، وإذا كانت الشرعية تنازلت عن استعادة الدولة المختطفة وعن قرارها المستقل، فإن الانتقالي حسب الرياض مطالب هو الآخر بالتنازل عن مشروعه السياسي، والتماهي مع التفاهمات الثنائية السعودية الحوثية، أو هي الحرب ضده بدعم الإقليم، حيث كل المدخلات الأخيرة تقود إلى إعادة إنتاج مناخات وقوى وحراب تحالفات 94، فإذا كانت الجريمة الأولى التسعينية التي أفضت إلى الغزو، تحمل يافطة الردة والانفصال، فإن النسخة القادمة تحمل عنوان الخروج عن الإجماع الوطني.
تتقلص هوامش المناورة أمام الانتقالي، ولم يبقَ لديه الكثير ليغير معادلات التسوية، بقطبها السالب لجهة قضيته، سوى بالعودة لجماهيره التي أهملها طويلاً وتفعيل ورقة الشارع، والاستعداد للأسوأ: القبول بالتنازل شبه الكلي، أو خوض الحرب متعددة الأطراف.
من صفحة الكاتب على إكس