سعيد بكران

سعيد بكران

تابعنى على

عن معضلة الهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة

Wednesday 12 August 2020 الساعة 07:52 pm

قبل الوحدة في الجنوب كانت الأراضي البيضاء ركنا أساسيا من صلب عمل وزارة الإسكان.

والإسكان العام للمواطنين هو أحد وظائف الدولة الأساسية، كل دولة وليس الدولة في الجنوب فقط، وما زالت هذه الوظيفة قائمة في كل الدول.

ولهذا كانت إدارات الأراضي وإدارة التخطيط الحضري وآليات صرف الأراضي وإدارة التوثيق والتسجيل مهمة حصرية مرتبطة بمبدأ الإسكان العام للمواطنين أولاً، وثانياً لأهداف الدولة ومشاريعها الصناعية أو الزراعية وغيرها أو للقطاعات العسكرية أو الأمنية..

بعد هزيمة العام 94 تم تدمير وظيفة الإسكان العام، وتخلت دولة المنتصرين حينها عن هذه الوظيفة والغيت وزارة الإسكان من الأساس.

في العام 95 أنشئت ما تسمى الهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة في مهمة مختلفة كلياً عن مهمة الإسكان العام.

كانت مهمة هذه الهيئة الجديدة هي تحويل مبدأ استخدام الأراضي للإسكان العام إلى مبدأ الاستخدام التجاري لأراضي وعقارات الدولة، ولأن المهمة مختلفة كلياً كان المستفيد منها مختلف تماماً.

ففي استخدام الإسكان العام كان المستفيد المواطن العادي بشكل عام الموظف الحكومي وغير الموظف.. حيث كانت وزارة الإسكان تصرف المخططات الجديدة للمواطنين الذين لا يملكون أراضي مصروفة من قبل من ذات الجهة وفق آلية تقدم بطلبات معينة وحسب الأقدمية في التقديم واستيفاء الشروط التي تضعها وزارة الإسكان والرسوم الزهيدة أيضاً..

وفي الاستخدام الجديد الذي ظهر بعد 95 عام إنشاء الهيئة كان المستفيد هم النافذون أولاً وأصحاب رؤوس الأموال والسماسرة وأصحاب الوساطات.

من عجائب هذه الهيئة أنها منذ أنشئت لم تنتج أي مخطط حضري حتى للنافذين وذوي الأموال وجمهورها الخاص من المستفيدين لأنها لا تملك إدارة تخطيط، ربما يوجد اسم لإدارة تخطيط لكن التخطيط والمخططات تتم خارج الهيئة، في حضرموت مثلاً المهندسون المدنيون الذين كانوا يعملون في وزارة الإسكان قسم التخطيط والتي تم حلها، هم الذين يمتلكون المخططات وهم خارج الهيئة، بعد أن تم تحويلهم لإدارات أخرى بعد حل وزارتهم.

لا يوجد لدى الهيئة في مقراتها أي مخطط، كل المخططات في منازل المهندسين خارج الهيئة..

من العجائب العجيبة أيضاً أن هذه الهيئة منذ أنشئت إلى اليوم كانت أحد أملاك علي محسن الأحمر وكل مديريها حتى مديري الفروع وفروع الفروع هم ضباط في جهاز الأمن السياسي وبعضهم لا علاقة له بالهندسة المدنية والتخطيط العمراني لا من قريب ولا من بعيد.

اعرف أحدهم وهو كان ممرضا في أحد المراكز الصحية قبل 94 وبعدها انتسب للامن السياسي، وتم تعيينه مديرا عاما للهيئة في واحدة من اهم مديريات ساحل حضرموت وأكثرها مدنية وتخطيطا حضريا من قبل يخلق هو ووالده..

عاثت هذه الهيئة فساداً ودماراً للتخطيط الحضري وخلقت مشكلة عميقة للسكان، عشوائيات وسماسرة ونافذين كل ذلك يتغطى بغطائها..

من عجائبها الفريدة أن قراراً أصدره علي عبدالله صالح الذي أنشأ الهيئة ذاتها بمنع الهيئة من صرف أي أراض ومنع التوثيق واعتبار أي وثيقة تصدر منها لاغية، وأعتقد هذا القرار صدر بعد سنتين أو ثلاث من إنشاء الهيئة.

لكنها ظلت توثق وتصرف الوثائق لزبائنها المذكورين سلفاً وحتى اليوم بل وتعترف باستمارات وأوراق المهندسين المدنيين التي كانت أحد أوليات وزارة الإسكان الملغية وما زال يكتب عليها وزارة الإسكان إدارة التخطيط.

كثير من العجائب التي يعرفها كل الناس تجعل هذه الهيئة بكل الفوضى والعشوائية والغرابة في عملها احد اهم نماذج دولة ما بعد 94 وأحد أهم أسباب انهيارها ورفضها من الناس وقد ورثت وما زالت الكثير من المشاكل واخطرها اليوم الاستخدام الخطير لملف الأراضي في تنمية الصراعات المناطقية والفوضى في المدن والحواضر.. وتنمية العشوائيات والحفاظ على التعديات العامة على كل شيء، مصالح عامة، وشوارع قائمة..

نحتاج لفهم مشكلة الأراضي لحلها وأول خطوات الحل هو النظر في شأن هذا الكيان العجيب الغريب.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك