د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

الزبيري.. بين الواقع ومواقع التواصل الاجتماعي!

Tuesday 29 September 2020 الساعة 10:11 am

من الخطأ الحديث بخفة عن شاعر وأديب وثائر وسياسي ومثقف يمني كبير.. بحجم "محمد محمود الزبيري" "1910 : 1965" أحد أهم الشخصيات اليمنية في القرن العشرين.!

ومن الخفة أن تصبح هذه الشخصية التاريخية العامة.. الأشهر من نار على علم.. مادة للمناكفات الفئوية المحكومة بالجهل والتعصب والضحالة.. على مواقع التواصل الاجتماعي!

بعضهم يعتبره رمزاً مقدساً يتعالى على النقد، وبعضهم يجرده من كل فضيلة، ويحاسبه حتى على مدائحه القديمة في الأئمة، مع أنه تراجع عنها وسماها بـ"الوثنيات".!

المهم هنا هو ما فعله هذا الرجل بعد أن ثار.. وفي هذا السياق. من غير الحكمة التهوين أو التهويل من قدر شخصه وأهمية مشاركاته في التحولات الثورية اليمنية.

قد يكون لقب "أبو الأحرار" كثيراً عليه.. لكنه بالتأكيد من أوائل من أعلنوا الثورة في وجه الأئمة، وظل في صدارة الصفوف الثورية حتى سقوط الإمامة.

لم يكن قائداً لأي ثورة، لكنه لم يكن مجرد فرد عادي، ولم يشارك في ثورة سبتمبر، لكنه استحق بجدارة تكريم ثوار سبتمبر، وأن تنقش ملامحه بعمق في جدارية الثورة اليمنية.

وهب الثورة الكثير من حياته، وبعد رحيله. تعرض للكثير من الجنايات من قبل الخصوم والمريدين على السواء. من خلال مثل هذه المبالغات المتضاربة في تقدير شخصيته الشعرية والسياسية.

هذا فضلاً عن تعرضه لجنايات موضوعية ناتجة عن تداخل جوانب شخصيته المركبة، كجناية السياسة على شعره الذي يرى النقاد أنه كان يمكن أن يكون أفضل لولا انشغاله بهموم وقضايا السياسة.

كذلك جناية "الأيديولوجيا" على سياسته التي يرى المفكرون أنها كانت ستكون أنبل لولا انشغاله بفكرة "الدولة الإسلامية"، على حساب المشروع الجمهوري.

هذه الفكرة "إخوانية" خالصة، وبطبيعة الحال كان للزبيري علاقة مبكرة بـ"حسن البنا" الذي كان يرى أن اليمن أنسب البلاد لإقامة نموذجه المتخيل لـ"الدولة الإسلامية".

تبعاً لذلك.. عمل الزبيري إثر نجاح ثورة 1962م مع آخرين، على الضغط على حكومة السلال، حكومة الثورة. من أجل أسلمة الدولة والدستور والقضاء..! 

ولاحقاً. خلال حروب القوى الجمهورية مع القوى الإمامية. طرح الزبيري مشروع "الدولة الإسلامية" كخيار ثالث بديل، وحل وسط بين الخيارين: الجمهوري والإمامي.!

بيد أن الزبيري لم يكن من مجرد حامل خامل لفكرة أيديولوجية، كما أن حياته السياسية أطول وأخصب بكثير من مجرد ثلاث سنوات قضاها مسئولاً كبيراً في ظل العهد الجمهوري.

تكمن عظمة وأهمية حياة الزبيري السياسية.. الحقيقية، بشكل خاص، وربما حصري، قبل ثورة سبتمبر، في سنوات كفاحه الطويل ضد الإمامة بداية بمشاركته الخلاقة في ثورة 1948م.

هذه التجربة الطويلة الخصبة كافية، وحدها، لجعله رمزاً يمنياً عاماً. أكبر من أن يتم تجيير شخصيته لفئة، أو تلخيص حياته في مرحلة، ويظل من الخطأ الحكم عليه كشاعر من خلال السياسة، أو الحكم عليه كسياسي من خلال الشعر.