ملايين اليمنيين بين الجوع ونقص التمويل.. الغذاء العالمي يوقف مساعداته الطارئة

السياسية - منذ ساعة و 33 دقيقة
المكلا، نيوزيمن، خاص:

أم علي عمر، أرملة ونازحة تقيم في المكلا بمحافظة حضرموت، كانت تتلقى سلة غذائية بسيطة من برنامج الغذاء العالمي، تكفي بالكاد لتخفيف معاناتها في تأمين لقمة العيش لأطفالها الستة، بعد أن فقدت زوجها إثر مرض عضال تعرض له عقب نزوحها. 

تقول أم علي لـ"نيوزيمن": "كانت السلة تصلني بعد فترات طويلة تصل إلى الشهرين أحياناً، لكنها كانت تخفف شيئًا يسيرًا من معاناتنا". إلا أن طاقم التوزيع أبلغها في أخر عملية توزيع قبل أيام بإيقاف المساعدات بشكل مفاجئ، لتواجه الأم اليوم تحديات إضافية في توفير الحد الأدنى من الغذاء لعائلتها وسط ظروف معيشية صعبة للغاية.

أثار قرار برنامج الغذاء العالمي بإيقاف المساعدات الغذائية الطارئة في محافظة حضرموت موجة من القلق بين آلاف الأسر المستفيدة. يأتي هذا الإيقاف المفاجئ رغم التحذيرات المتكررة من ارتفاع معدلات المجاعة في مناطق عدة بسبب الأزمات الاقتصادية المستمرة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانقطاع المرتبات.

ويعتمد ملايين اليمنيين على هذه المساعدات كحل أساسي لتلبية احتياجاتهم اليومية، خصوصًا النازحين الذين فقدوا مصادر دخلهم وأصبحت المساعدات الغذائية شريان حياتهم الوحيد في مواجهة الجوع والفقر.

وقال مصدر أغاثي في المكلا لـ"نيوزيمن" أن قرار الإيقاف ليس على المستفيدين فقط في المكلا وحضرموت بل يشمل عدة محافظات يمنية أخرى، موضحًا أن البرنامج سيطلق لاحقًا مشروع مصغر لتوزيع المساعدات يستهدف فقط المناطق والفئات الأكثر احتياجًا ووفقًا للتمويل المقدم من الجهات المانحة.

احتجاجات غاضبة

وردًا على قرار برنامج الغذاء العالمي بإيقاف توزيع المساعدات الغذائية، شهدت مديرية القاهرة بمحافظة تعز وقفة احتجاجية حاشدة نظمها عشرات من الأسر النازحة وذوي الإعاقة والمحتاجين أمام مبنى السلطة المحلية، للتعبير عن رفضهم الشديد للقرار الذي اعتبروه "ضربة قاتلة" للأوضاع الإنسانية في المديرية.

ورفع المحتجون لافتات كتب عليها شعارات مثل: "المساعدة غذاؤنا.. لا تحرمونا" و"كارثة إنسانية تلوح في الأفق"، مؤكدين أن توقف المساعدات الغذائية سيؤدي إلى زيادة معدلات الفقر والجوع ويهدد آلاف الأسر بالنزول إلى ما وصفوه بـ"مستوى المجاعة"، في وقت يشهد فيه السوق المحلي ارتفاعًا جنونيًا في أسعار المواد الغذائية واستمرار انقطاع المرتبات، ما جعل المساعدات الغذائية بالنسبة للكثيرين هي المنقذ الوحيد لبقائهم على قيد الحياة.

وشارك في الوقفة كبار السن والأمهات، إضافة إلى أطفال وطلاب، حيث تحدث بعض المحتجين عن معاناتهم اليومية في الحصول على وجبات كافية لأسرهم، مشيرين إلى أن هذه المساعدات كانت تشكل "الفارق بين الجوع والحد الأدنى من الكفاف" لآلاف الأسر في المديرية.

من جانبه، أكد مدير عام مديرية القاهرة، رئيس المجلس المحلي، أحمد مرشد المشمّر، رفضه القاطع للقرار، مشددًا على أن المديرية لن تسمح بحرمان أكثر من 17 ألف أسرة من حصتها من المساعدات الغذائية. وأوضح المشمّر أن تقييم برنامج الغذاء العالمي الذي استند إليه القرار خاطئ وغير مبني على معايير دقيقة أو حقيقية، مشيرًا إلى أن المديرية كانت تنتظر إضافة 10 آلاف أسرة جديدة إلى قوائم المستفيدين، وليس استبعاد الأسر السابقة.

كما أعلن المشمّر أن السلطات المحلية ستتابع الأمر مباشرة مع الجهات المعنية في عدن، بما في ذلك وكيل المحافظة ولجنة الإغاثة، مؤكدًا أن هناك توقعات صدور نتائج إيجابية ستعيد جزءًا من المساعدات للأسر المستفيدة، في محاولة لتخفيف تداعيات الأزمة على النازحين والفئات الأشد هشاشة في المديرية.

وتعكس هذه الوقفات الاحتجاجية حجم الغضب الشعبي والتوتر الاجتماعي الناتج عن إيقاف المساعدات المفاجئ، إضافة إلى مدى الاعتماد الكبير للمستفيدين على الدعم الغذائي الدولي، ما يسلط الضوء على هشاشة الوضع الإنساني في تعز وبقية المناطق اليمنية التي تواجه تفاقم الجوع والفقر بسبب نقص التمويل وعدم استقرار الخدمات الأساسية.

تبرير نقص التمويل 

برر برنامج الغذاء العالمي (WFP) إيقاف جزء من المساعدات الغذائية في اليمن بنقص التمويل المتاح، مشيرًا إلى أن هذا القصور سيؤدي إلى تقليص عدد المستفيدين في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بأكثر من نصف العدد الحالي مع بداية عام 2026. ووفقًا لتقديرات البرنامج، لن تتمكن المساعدات من الوصول إلا إلى 1.6 مليون شخص من أصل 3.4 مليون مستفيد حالي، فيما سيُحرم نحو 1.8 مليون شخص من الحصول على المساعدات الغذائية العامة، ما يمثل حوالي 53% من المستفيدين الحاليين.

وأوضح البرنامج أن الفجوة التمويلية تمثل تحديًا كبيرًا أمام استمرارية عملياته، إذ تقدر بـ68% من إجمالي متطلبات التمويل البالغة 151 مليون دولار للفترة من ديسمبر 2025 حتى مايو 2026، ما يحد من قدرته على تقديم المساعدات بمستوى يلبي الاحتياجات الأساسية للمستفيدين.

وأشار التقرير الأممي إلى أن الدورة السادسة من برنامج توزيع المساعدات، التي بدأت أواخر أكتوبر 2025، كانت آخر دورة قبل الانتقال إلى برنامج جديد للمساعدات الطارئة المستهدفة في يناير 2026. وأوضح أن هذا البرنامج الجديد سيشمل تقليصًا كبيرًا أيضًا في برنامج إدارة سوء التغذية الحاد المعتدل أو المتوسط (MAM)، بسبب الموارد المحدودة المتاحة، ما يزيد من هشاشة الفئات الأكثر ضعفًا، خصوصًا الأطفال والنساء والنازحين الذين يعتمدون على هذه المساعدات بشكل أساسي.

ويُظهر هذا التحدي المالي حجم الضغط على المنظمات الإنسانية الدولية في اليمن، وضرورة زيادة التمويل والدعم الدولي المستدام لضمان استمرار برامج المساعدات وحماية ملايين الأسر من خطر المجاعة وتدهور الوضع الصحي والغذائي، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المحلي والأوضاع الأمنية من مزيد من التعقيدات.

النازحون الأكثر تضررًا

وتعد الفئة الأكثر تضررًا من قرار برنامج الغذاء العالمي تقليص المساعدات هي النازحون داخليًا، الذين يعيش نحو 4.8 مليون شخص في مناطق مختلفة من اليمن بعيدًا عن منازلهم، إضافة إلى أكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء، أغلبهم من إثيوبيا والصومال، يواجهون ظروفًا حياتية صعبة ومعقدة، وفق بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

وأعلنت المفوضية عن حاجتها إلى تمويل يبلغ نحو 194 مليون دولار خلال العام المقبل لدعم برامجها الإنسانية الخاصة بالنازحين واللاجئين والمجتمعات المضيفة، بهدف تأمين الاحتياجات الأساسية للأسر المستضعفة. وتشمل هذه البرامج توزيع المساعدات الغذائية، الدعم النقدي المباشر، توفير حلول إسكانية مؤقتة، بالإضافة إلى خدمات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والنظافة، مع برامج متخصصة لحماية الأطفال والنساء والفئات الأشد ضعفًا.

وأكد المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، أن ضمان حلول مستدامة للنازحين واللاجئين سيظل محور عمل المفوضية خلال 2026، سواء عبر دعم العودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية أو عبر تعزيز قدرة المستفيدين على الاعتماد على أنفسهم، بالتعاون مع الشركاء لتطبيق سياسات واستراتيجيات استجابة طويلة الأمد. 

وأوضح أن استمرار التمويل المستدام للبرامج الإنسانية يعد عاملًا حاسمًا لتخفيف معاناة النازحين وحماية حقوقهم الأساسية في الحياة والتعليم والصحة، في وقت تواجه فيه اليمن أزمات متعددة تشمل النزوح والفقر الحاد ونقص الخدمات الأساسية.