عدن.. خط المدنية الأول

السياسية - Thursday 27 August 2020 الساعة 11:00 pm
نيوزيمن، كتب/ أحمد محمود النويهي:

عاشت في الدنى عدن كمدينة سكنها البحر، شكل ملامح كينونتها "الكوزمبلوتية" ذلك المزيج المتسق والمتحد والمتجانس، حينما هاجرت المراكب والأشرعة ذاعت في خيال العاشق الذي ثوى عند البحر ذلك المهاجر الذي جاب بحار الدنى بحثاً عن وطن..

الوطن ذلك الساحل المفتوح الذي مزقت أمواجه العاتية أجساد اليمنيين الذين ركبوا المخاطر غير آبهين بالذي سيكون..

اتصل اليمني بالساحل بحثاً عن ملاذ ليمارس التجارة في سواحل تعج بكل الأجناس والناس من كل لون ومذهب ودين..

"ذكرت أخي كان تاجر أينما جاء فرش" كانت البالة أهزوجة وموالاً وداناً..

"قالت الهايمة لي خل خلف البحارا خلف سبعة بحور خلي مهاجر ومهتان"

هكذا ترجم مطهر الإرياني معاني الغربة واعتراك اليمني مع الحياة في رحلته بين الذهاب والإياب كانت عدن المهد والميلاد والملاذ حيث عاش اليمني يؤصل لمدينة عالمية تجاوزت محيطها الجغرافي قبل قرون من الزمان..

تجانست فيها اللغة والأديان واللهجات والثقافات لينتج هذا المزيج الخالص من الحضارة الإنسانية التي شكلتها عدن.

"يا مركب الهند يا بو دجلين يا ليتني كنت ربانه بكتب على صفحتك سطرين اسمه حبيبي وعنوانه"

وهذه أغنية ولدت ونشأت حيث الميناء الذي اتصل بموانئ العالمين.

عاشت عدن جغرافيا المدنية وخطها الأول على ساحل بحر العرب، عند خليجها سكن الموج واضطرب على مسافة ليست بعيدة استقرت سُقطرى جزيرة الأحلام كنجمة تدور في فلك المجرة اليمنية العملاقة، استقرت عدن ونتجت مدينة قصدها البحارة الذين حملوا البُن والبخور والعطور..

عدن مدينة ذكرها الرحالة والمؤرخون فهي واحدة من أقدم مدن الأرض شَكلها البحر حين تناثرت على سواحله كقطعة موسيقية عَزفها الموج كأغنية ذَاع صِيتها وذاعت شُهرتها لتصبح ذلك "البندر" بندر عدن وهذا الاسم الذي أصبح عنوانها ومعناها ومغناها ومبناها..

يحكي الزمن وقد تقادم عند سحرها الفتان ذلك الفن المزيج الخالص لحضارة شادت مدينة ليس كمثلها إلا لوحة فيسفاء متناهية الدقة وربما كانت أقدم من كل الروايات المؤسطرة عن تاريخ النشأة والولادة..

حين يفسح العمر في زحمة انشغالاته المهرقة على ناصية الوجع بمقدورك أن تنتزع لحظة لتطأ بقدميك المدينة، سترى بعينيك ما لم تكن قد أدركته عن الفارق الشاسع بينها ومدن أخرى ستلحن على أرصفتها نكهات شتى، ستدرك كم عظيمة هي المدينة وقد ازدهرت من خلالها المهنة في أسواقها الشعبية المتناثرة، ستلحظ التخطيط والعمران المختلف والبديع في تنوعاته وتشكيلاته المتناسقة، ستلمح عدن كجزر متناثرة تترابط فيما بينها عبر امتداد ذلك الموال الحزين الباعث على الحياة، ستصغي للنوارس وقت اصطخاب الأمواج العاتية، سيكون بمتناول روحك العطر المبثوث من نوافذها العتيقة والمشربيات الباذخة الجمال..

ستقرأ لطفي أمان وعبدالفتاح اسماعيل وسالمين وقحطان الشعبي وعبدالولي وعنتر وشائع ومصلح ورضية شمشير.. ستلحن أغانيها بصوت أحمد قاسم ومحمد عبده زيدي ومحمد مرشد ناجي وكفى عراقي وامل كعدل ورجاء باسودان، ستطالع صورا متعددة لمدينة بتنوعها الخلاب تجهش بالفرح واللون دفاق غزير، ستذهب إلى البريقة حيث ميناء الزيت ومدينة صناعية رسمت بعناية فائقة ستعود إلى صيرة حيث القلعة تشمخ هناك عند البداية والنهاية ستطوف حولها من البحر إلى البحر ستلحن التواهي كما لو كنت تفيض بذلك الشوق الصاعد وقت ارتحال الأزمنة..

المُعلا مدينة تتجدد وقد اسندت ظهرها على صدر شمسان الجبل الذي منحها العشق والحنان والأمان. عدن "كريتر " حيث الأزقة العتيقة والمدينة الناشبة بصدر الكتاب عندها صهاريج الطويلة تلك التحفة المعمارية والهندسية الفراغية التي سبقت الإنشاء والعمارة والفنون الجميلة 3000 سنة حضارة.

عدن اغنية على مر الزمن كل صباح ومساء تبث عنها والسماء حديثاً لا يُمل..

من قصيدة للدكتور محمد ناصر شراء دكتور الآدب بجامعة عدن.. كتبها لسيدة الموج والبخور..

"وقفي على جبل جزيل الموج وانتبذي الرياح"..