الحوثيون يضاعفون القيود على المنظمات الدولية عبر الترهيب ونهب المقرات

السياسية - Wednesday 11 June 2025 الساعة 04:32 pm
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

تتصاعد بشكل كبير الانتهاكات التي تمارسها ميليشيا الحوثي الإيرانية ضد المنظمات الأممية والدولية العاملة في مناطق سيطرتها، في وقت جددت الحكومة اليمنية دعوتها لتلك المنظمات بسرعة نقل مقارها الرئيسية من صنعاء إلى العاصمة عدن للخروج من الحصار والتضييق ولضمان تقديم البرامج والمساعدات الإنسانية والإغاثية وفقًا لاحتياجات السكان والمتضررين.

وفي خطوة جديدة ضمن سلسلة التضييق الممنهج، أقدمت ميليشيا الحوثي على نهب والاستيلاء على مقرات منظمة رعاية الأطفال في صنعاء وعدة محافظات خاضعة لسيطرتها. هذه الخطوة تحمل رسالة تهديد مباشرة لباقي المنظمات التي تفكر في تعليق أنشطتها أو الانتقال للعمل في المناطق المحررة، حيث تحاول الجماعة فرض واقع جديد يُجبر المنظمات على البقاء، حتى وإن كان ذلك على حساب المبادئ الإنسانية التي تلتزم بها.

وقامت قوة مسلحة تتبع نافذين وقيادات حوثية عليا بمصادرة أصول وممتلكات منظمة رعاية الأطفال "سيف ذا تشيلدرن"، وذلك ردًا على إعلان المنظمة إغلاق مكاتبها في مناطق الميليشيات في شهر مايو الماضي، بسبب ما تتعرض له من انتهاكات وما طال موظفيها.

وبحسب مصادر حقوقية في صنعاء أن القوة داهمت المقار منظمة رعاية الأطفال في صنعاء محافظات عمران، حجة، صعدة، الحديدة، وإب، وشرعت بنهب محتويات تلك المقار من مخازن ومعدات وتجهيزات ومركبات. وقدرت المنهوبات بملايين الدولارات حيث جرى نقلها إلى مخازن وفلل تابعة لقيادات حوثية بارزة مكلفة بمتابعة ومراقبة المنظمات الأممية والدولية.

وأشارت المصادر إلى أن قيادات حوثية نافذة كانت تخطط لإصدار حكم قضائي يتيح لها المجال بصورة قانونية السيطرة على مقار المنظمة عقب إجازة عيد الأضحى المبارك، إلا أن جناح أخر في الميليشيات مدعوم من مدير مكتب الرئاسة الحوثية أحمد حامد استبق هذا التحرك وسارع إلى البسط ونهب المعدات والتجهيزات قبل أن يتم الاستحواذ عليها من قبل قيادات أخرى.

سلسلة انتهاكات 

ما تعرضت له المنظمة من إجراء تعسفي؛ يندرج ضمن سلسلة من الانتهاكات المتصاعدة من قبل ميليشيا الحوثي الإيرانية، حيث تعرضت لضغوط ممنهجة هدفت إلى تقييد أنشطتها الإنسانية وإجبارها على العمل وفق أجندة الميليشيا. لم تقتصر هذه الضغوط على فرض قيود مشددة على برامجها ومشاريعها، بل وصلت إلى اقتحام مقراتها في صنعاء ومحافظات أخرى، والاستيلاء عليها بالقوة، ناهيك عن حملة اعتقالات استهدفت موظفي المنظمة، وزُجّ بعدد منهم في السجون دون أي مسوغ قانوني، وسط ظروف احتجاز قاسية وانعدام أي ضمانات لسلامتهم. 

يقول متطوعون عاملون مع المنظمة في عدن لـ"نيوزيمن": قرار الإغلاق في مايو الماضي لم يأت من فراغ، فالميليشيات الحوثية وسلطتها المختلفة أمعنت في الانتهاكات والمضايقات دون أي مراعاة للخدمات الإنسانية التي تقدمها منظمة رعاية الطفل للمحتاجين في مختلف المحافظات اليمنية دون استثناء.

وأشار المتطوعون إن هناك تهديدات سابقة تعرضت لها قيادة المنظمة في اليمن؛ واتهامها بالتجسس والعمل لصالح الغرب وتنفيذ أجنده تهدد مصالحهم وغيرها من الاتهامات التي تسوق لها الميليشيات لتبرير انتهاكاتها وإجرامها وعمليات النهب والسلب التي تمارسها بصورة علنية.

عملية الاقتحام الواسعة ليست الأولى، فالمنظمة وتحديدًا مقرها بمحافظة ذمار تعرض خلال العام 2018 لاقتحام سابق انتهى بمصادرة محتوياته بالكامل. كما فرضت الميليشيات قيودًا على العمليات الإغاثية والإنسانية التي تقدمها "رعاية الأطفال" إلى جانب فرض رقابة أمنية على الموظفين داخل المنظمة وخارجها.

ولعل أبرز الانتهاكات التي طالت المنظمة مؤخرًا حادثة وفاة هشام الحكيمي، مسؤول الأمن والعلاقات الحكومية في المنظمة، في سبتمبر 2023، عقب شهرين على احتجازه داخل سجن حوثي، وسط رفض الحوثيين تسليم الجثمان أو السماح بتشريح مستقل. وكذا اختطاف الدكتور توفيق المخلافي، مسؤول المنح التعليمية في المنظمة، منذ يناير 2024، حيث لا يزال رهن الاحتجاز لدى جهاز الأمن والمخابرات التابع للميليشيات.

رسالة تهديد 

يرى الكثير من العاملين في المجال الإغاثي أن نهج الحوثيين في نهب مقار منظمة "رعاية الأطفال" خطوة حملت رسالة تهديد مباشرة لباقي المنظمات التي تفكر في تعليق أنشطتها أو الانتقال للعمل في المناطق المحررة، حيث تحاول الجماعة فرض واقع جديد يُجبر المنظمات على البقاء، حتى وإن كان ذلك على حساب المبادئ الإنسانية التي تلتزم بها.

وقال الناشط المدني ياسر المدني في صنعاء أن كل هذه الانتهاكات تصب في هدف واحد، وهو فرض السيطرة الكاملة على العمل الإنساني والإغاثي داخل المناطق الخاضعة للحوثيين، بحيث يصبح النشاط الإغاثي أداة في يد الجماعة لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري، بدلًا من كونه عملًا إنسانيًا يهدف إلى مساعدة المحتاجين دون تحيّز.

وأضاف: "في ظل هذه الممارسات، يبقى المجتمع الدولي مطالبًا باتخاذ خطوات أكثر حزمًا لحماية المنظمات الإنسانية وضمان استمرار عملها بعيدًا عن الابتزاز السياسي، فضلًا عن الضغط لإيقاف الانتهاكات التي تهدد النشاط الإغاثي، وتعرّض حياة العاملين في هذا المجال للخطر".

سجل إجرامي طويل

ووصف وزير الإعلام معمر الإرياني عملية النهب التي طالت منظمة رعاية الأطفال بأنها "جريمة نكراء" تضاف إلى سجل الحوثيين الطويل من الانتهاكات بحق العمل الإنساني، مشيرًا إلى أن الميليشيا نفذت أكثر من 95 واقعة اقتحام ونهب لمكاتب منظمات محلية ودولية منذ عام 2015.

وأضاف أن الجريمة جاءت عقب إعلان المنظمة في مايو إغلاق مكاتبها في مناطق سيطرة الحوثيين، وإنهاء عقود 400 موظف، ما حرم أكثر من 1.2 مليون طفل من خدماتها، وذلك بسبب ما وصفه بـ"القيود التعسفية المتزايدة" التي تفرضها الميليشيا على عمل المنظمات.